قرار خاطئ وخطير يا سيادة الوزير!
أصدر وزير الزراعة قراراً برقم 1682/ وم د تاريخ 342007، يأمر بموجبه بتوزيع أراض على الفلاحين المتضررين من مشروع سد الباسل جنوب الحسكة، ومحمية جبل عبد العزيز، من أراضي منشآت مزارع الدولة في محافظة الحسكة. ربما يبدو هذا القرار أمراً طبيعياً لغير المطلعين على الواقع الموضوعي الذي سيتم فيه تنفيذه، وذلك الواقع يقول ما يلي:
إن الأراضي المخصصة للتوزيع على قسم من الفلاحين المتضررين، تقع في محيط خمس قرى في منطقة المالكية، قرب مثلث الحدود السورية العراقية التركية ، وهذه المنطقة من المناطق التي شهدت قبل عقود إجراءً مماثلاً، تم بموجبه توزيع مساحات واسعة من أراضي ما سمي بخط العشرة، على الفلاحين الذين غُمرت أراضيهم بمياه سد الفرات، وعلى إثر ذلك التوزيع حُرم آلاف الفلاحين من فلاحي الجزيرة، وخصوصا الفلاحين الأكراد، من الأرض، أو منحوا أراض في مناطق الاستقرار الأخرى ، وهذا ما صبغ المشروع آنذاك بصبغة التمييز القومي. إن ذلك يقود إلى الاستنتاج بأن القرار الأخير لوزير الزراعة، يندرج في إطار تلك السياسات التمييزية التي رأينا بعضاً من نتائجها خلال الحوادث المؤسفة في السنوات القليلة الماضية. ومن هنا، فالقرار مرفوضٌ بكل المقاييس، فهو من جهة:
- مرفوض من وجهة النظر القانونية والأخلاقية، فهل من العقل والمنطق أن توزّع أراضي هذه القرى، مع التي تعود ملكيتها تاريخيا إلى أبنائها قبل إن تصبح عائدة لمزارع الدولة، على فلاحين من مناطق أخرى؟ لاسيما وإن الكثيرين من أبناء هذه القرى، محرومون من الأرض أو متضررون.
- مرفوض من وجهة النظر السياسية، فالقرار الأخير يبشر باستمرار تلك العقلية التي تميّز بين أبناء الوطن الواحد على أساس القومية، فسكان أربعٍ من هذه القرى أكراد، وقرية واحدة من السريان. والفلاحون الذين سيتم توزيع الأرض (المغمورون) هم عرب، وعلى الرغم من أنه لاتهمنا، لون دماء الناس وانتماءاتهم القومية والدينية، مع احترامنا للجميع طبعا، فان أيَّ إجراء تمييزي مرفوض، ومكان استهجان من قبلنا، أضف إلى ذلك أن مثل هذه الممارسات تضر بالوحدة الوطنية. والإساءة إلى الوحدة الوطنية، خصوصاً في الظروف المحيطة بالبلاد حالياً، هي إساءة إلى الوطن، والإساءة إلى الوطن لا معنى له، موضوعيا، إلا خدمة أعداء الوطن، حيث إن هذا القرار يثير الحساسيات والعصبيات القومية، ويزودها بجرعات إضافية من التشنج والتخندق القومي المرفوض أيا كان مصدره. الأمر الذي يتقاطع مع مشاريع إثارة الفتن والصراعات المشوهة، في إطار سياسة الفوضى الخلاقة التي طالما يبشرنا بها تجار الديمقراطية في الإدارة الأمريكية، والتي نرى بشائرها في حمّام الدم العراقي.
إننا نؤكد على حقوق الأخوة الفلاحين الذين غمرت أراضيهم، بل من واجب الدولة رعاية مصالحهم، وتعويضهم عن كل خسارة، ولكن بكل تأكيد، ليس على حساب آخرين من أبناء الوطن.
وأخيراً نقول: إذا كان في إصدار القرار سوء تقدير، فنتمنى العودة عنه، وعدم العودة عنه، يمكننا القول، إنه خدمة، ولا ندري مجانية أم لا، لأعداء الوطن.
إن واجب جميع الشرفاء، داخل جهاز الدولة وخارجه، الوقوف بوجه مثل هذه القرارات والتوجهات، لما تُلحقه من ظلم وغبن بجزء عزيز من أبناء الوطن، ولما له من أبعاد خطيرة تضر بالوحدة الوطنية.