السكن الشبابي، بين جشع التجار، وحاجة الدراويش.
في ظل الوضع الاقتصادي المتردي، يعتبر الحصول على شقة سكنية، للكثير من أبناء جيل الشباب، أهم وأصعب طموحات اليوم. هذا الحلم الذي وقف عائقاً أمام مستقبل الكثير منهم، فكان أن توجه عشرات الآلاف من الشباب نحو الجمعيات السكنية، وتحديداً مشروعات المؤسسة العامة للإسكان، والتي كان آخرها مشروع السكن الشبابي. لإعادة الثقة بين المواطن والدولة، عبر دورها التدخلي، لحل الكثير من المشاكل العالقة، وضد من يضعون العصي في العجلات، ولاستغلال دور القطاع العام، بطرقهم الملتوية، بالالتفاف على المواطن وتجاوز الأنظمة والقوانين، وللمضي بأسلوب جديد، بالنهب والسرقة.
بعد صدور نتائج أرقام الاكتتاب، وقبول جميع المكتتبين المتقدمين لمشروع السكن الشبابي، والبالغ عددهم أكثر من 50 ألف مكتتب، أخذت تظهر محاولات مكشوفة، وبوادر لاستغلال المشروع، بطرح الكثير منه للبيع والمتاجرة، حسب هذه الوقائع:
بدأ الاكتتاب على المشروع عام 2002، وصل عدد المكتتبين والمتقدمين إلى أكثر من 50 ألف قبلوا جميعاً. وكان الهدف الأساسي الذي وضعته الدولة للمشروع، هو تأمين مساكن للشباب، المقبلين على الحياة العملية، بأجور وقروض مناسبة، لا تتجاوز نسب فوائدها الـ5%، ولمدة وصلت بعد التمديد والزيادة، من 15 إلى 25 سنة، على ألا يتجاوز القسط الشهري 30% من أجور ذوي الدخل المحدود.
إلا أن الأزمة بدأت عندما توجهت العديد من العائلات لتقديم طلبات الاكتتاب، سواء أكان الدافع الحاجة إلى السكن أم لا، وذلك أملاً في زيادة فرص الفوز في القرعة التي ستجري حسب ما كان مقرراً في البداية، إلا أنها ألغيت بعد قبول جميع المتقدمين. وهكذا تحول أفراد الأسرة، الذين سجلوا للحصول على شقة واحدة، من أجل أحد أفراد الأسرة، ولفرصة أكبر بالفوز، إلى طرح أرقام الاكتتاب لديهم للبيع. وشاعت أخبار البيع، وأصبحت حديث المكتتبين، فنشأت حركة تجارة حرة، وتحولت من مكاتب إلى شركات لشراء الشقق، ليس في السكن الشبابي فقط، بل حتى في مساكن الإدخار.
شركات استثمارية للسلبطة:كانت الشركات الاستثمارية للعقارات، قد أعلنت عن رغبتها في شراء أرقام الاكتتاب، وحصلوا عليها، بالإضافة إلى إعلانات يومية في عدة صحف، إعلانية وغير إعلانية، تعلن عن خدمات وأرقام واضحة وصريحة، في تقديم تسهيلات البيع والاستلام والملكية، من دون حسيب أو رقيب، من الجهات الرسمية المسؤولة، سواء في محاسبة المتاجرين والسماسرة، أو محاسبة الجهات الإعلامية التي سمحت لنفسها بنشر إعلانات غير قانونية، ومنافية لنظام المؤسسة فيما يتعلق بعمليات البيع والشراء. علماً أن الفقرة السادسة من شروط دفتر التسجيل، الذي يخضع لأحكام المؤسسة، تقول: «يعتبر باطلاً بطلاناً مطلقاً، ولا يترتب عليه أي أثر قانوني، كل تصرف بالمسكن المكتتب عليه، أو أي إجراء شخصي بذلك، قبل مضي خمسة عشر عاماً، على تاريخ الشراء أو التخصيص، وقبل الوفاء بكامل قيمته.
لكن شركة الماجد للاستثمارات العقارية، وبعض المكاتب التجارية، (من مهندسين وسماسرة)، استغلوا حاجة بعض المواطنين، في بحثهم عن مصدر جديد للدخل، بدفع مبالغ وأسعار مغرية (بالكاش)، ولكل فئة سعرها الخاص مقابل التنازل.
الالتفاف على القانون: حتى تلتف تلك الشركات والمكاتب على المواطنين الأبرياء، كانت تجري جميع عملياتها في النصب والخداع والاحتيال، عن طريق محامين، وتتم الإجراءات تحت مظلة القضاء، من خلال عقود البيع والشراء، مع أن المحامي يعلم علم اليقين أن مؤسسة الإسكان لا تعترف بتلك العقود، وأن الاكتتاب في المؤسسة خاضع لأحكام القانون 39، والمادة 4 الفقرة (أ) واضحة أيضاً وضوح الشمس: (يعاقب من يخالف تلك الأحكام بالحبس ست سنوات، ويحكم ببطلان التصرف وإلغاء البيع والتخصيص، ومصادرة ملكية المتصرف بالمسكن موضوع المخالفة، مع سائر حقوقه فيه، لصالح الجهة العامة التي باعته أو خصصته دون أي تعويض، وتنتزع يد شاغل المسكن وواضع اليد عليه أياً كان الشاغل أو واضع اليد). ومع ذلك يتم الالتفاف على المواطن بالقانون، ليكون الخاسر الأكبر في النهاية.