كيف أصبحت شيوعياً؟
لن نجافي الحقيقة إن قلنا إن هناك تقصيراً واضحاً بحق الرفيقات اللاتي أعطين الحزب والنضال الوطني والطبقي زهرة أعمارهن، وبخاصة اللائي بقين بعيدات عن عدسات الذاتية وحب الظهور، وعملن بإيثار متحملات المشقات والملاحقة والتجني والاعتقال، ونحن بدورنا نعد قراءنا الأعزاء بلقاءات معهن بدافع الوفاء لكل من أسهم ببناء لبنة بصرح الحزب، وشارك بصنع سمعته المشرفة عبر تاريخه الطويل.
ضيفتنا لهذا العدد الرفيقة جميلة سعيد حيدر من الرفيقات بتنظيم النور..
الرفيقة المحترمة أم عمر نحييك، ونسألك أن تحدثينا: كيف أصبحت شيوعية؟.
أنا من مواليد عام 1933 في بلدة قطنا بريف دمشق من أسرة متعلمة، والذي كان مختار البلدة لعقود عديدة، اتسم بحسن المعاملة والحنو على أبنائه وبحب العلم، تعلمت في المدرسة الابتدائية بقطنا وبعد حصولي على شهادة السرتفيكا تابعت دراستي في التجهيز الأولى للبنات بمدينة دمشق، ونلت الشهادة الإعدادية، ومن ثم حصلت على الشهادة الثانوية-دراسة حرة- واجتزت الصف الخاص بأهلية التعليم، ومارست العمل في مجال التعليم الابتدائي بمدينة القنيطرة، ثم ببلدة النبك، وبعدها نقلت إلى مدرسة عائشة الصديقة بحي الميدان، وتزوجت من الرفيق رشاد القوتلي لأبدأ معه مسيرة عمر مليء بكل النشاط والحيوية بحلاوته ومرارته، عمرٌ أعتز به، لم يذهب هدراً، بل أمضيناه فيما نعتقد أنه صواب وحق، والدافع كان ومازال حب الوطن والشعب. لقد وعيت منذ الطفولة على الإحساس بالفوارق الطبقية بين من يمتلكون ومن لا يمتلكون، وأذكر أنني كنت آخذ (دون علم الأهل) من بيتنا بعض الأطعمة لأقدمها لبيت أقاربي الفقراء. لقد بدأ وعيي للسياسة منذ المرحلة الإعدادية، وكان لمدرّسة مادة الجغرافيا المعلمة المحترمة الرفيقة «مقبولة الشلق» الفضل في بداية معرفتي الفكر الثوري وفي جذبي نحو النضال دفاعاً عن حقوق الكادحين، وأول مرة تركت فيّ أثرها العميق حين دخلت قاعة الدرس وعلى وجهها آثار صفعة قوية كانت قد تلقتها من أحد عناصر الأمن، وفي التجهيز تعرفت على عدد من الرفيقات ومنهن الطالبة فدوى قوطرش، وفيما بعد كان لبيت أهل زوجي تأثيره الكبير على نشاطي وعملي الحزبي فقد كان مركزاً هاماً من مراكز نشاط الحزب ففيه عقدت مؤتمرات وندوات ولقاءات واجتماعات، وفيه وجدت نفسي واحدة من الرفيقات اللواتي ارتبطن كليا بالعمل الحزبي. شاركت بمهرجان الشباب العالمي في موسكو عام 1957، واشتركت بكثير من المظاهرات ومنها تلك التي قام بها الحزب دفاعا عن حكومة مصدق الوطنية في إيران، وكذلك مظاهرة ضد ديكتاتورية أديب الشيشكلي، وكدت أعتقل فيها لولا مساعدة رفيقة من قطنا سارعت وأبعدتني من أمام رجال الشرطة، والذكريات في هذا المجال كثيرة ومتنوعة ولاسيما النشاطات السرية، حيث كنت أرتدي الملاءة وأوزع المنشورات وأوصل الرسائل، وهنا لابد من التنويه بدور زوجي الرفيق الشهم أبو عمر في خدمة الحزب بكل شرف وإخلاص والكثيرون يعرفون أنه لم يقصر يوماً في القيام بما يكلف به من مهام، وفي متابعة متطلبات عمل بعض قادة الحزب في بيوتهم السرية، وقد سافرت معه إلى بلغاريا وعملنا بالقسم العربي بإذاعة صوفيا في مجال الترجمة والإعداد، ثم عدنا إلى الوطن في عهد الانفصال، وفي المطار (خيرونا) بين العودة بالطائرة أو السجن فاخترنا السجن ولا مغادرة الوطن، وقد وضعوني ومعي ابني الرضيع عمر في (النظارة) حيث نمنا على كرسي خشبي دون بطانيات، ومنعوني من أخذ ابني للتواليت، وقد بادر أحد رجال الشرطة بإحضار (تنكة صغيرة) ليبول فيها الصغير، ثم نقلونا إلى مركز للأمن بمنطقة العفيف، ولولا تدخل مسؤول عسكري كبير من أهل قطنا لبقيت قيد الاعتقال مع طفلي الرضيع.
عملت في صفوف رابطة النساء السوريات، وشاركت في مؤتمراتها، وتسلمت العمل لفترة بقيادتها، وحضرت أكثر مؤتمرات الحزب، كما مثلت الحزب بنقابة المعلمين في دمشق لدورة نقابية، ومن ثم في الإدارة المحلية بمجلس محافظة دمشق لمدة أربع دورات، كنت خلالها أتابع مع الرفاق قضايا جماهير مدينة دمشق والدفاع عن مطالبهم، ولست أكشف سراً حين أقول: إن مجلس محافظة مدينة دمشق يحفظ بالتقدير الممارسات الجادة والحضور الفعال الحافل بالنشاط والعمل للرفيقات والرفاق الشيوعيين في سبيل تحقيق متطلبات جماهير دمشق في مجالات التعليم والصحة والثقافة والشؤون الاجتماعية والمواصلات والإسكان والماء والصرف الصحي والكهرباء والحفاظ على هوية دمشق التاريخية وحماية المدينة القديمة، وفي إغناء تجربة الإدارة المحلية، ووفاء لجهودهم الصادقة وأعمالهم المخلصة يجدر بي أن أذكر أسماء الرفيقات نبال سلو والدكتورة ناديا خوست وهيفاء البغدادي وعروب المصري، والرفاق الدكتور محمد جمعة وخالد الكردي وبطرس أبو شعر وعبد الوهاب رشواني وعلي المصري وحنين نمر وعبد الوهاب ظاظا وخليل حريرة ومراد القوتلي ومحمد علي طه ونذير حنانا ومحمد سعيد اليافي والدكتور حنا برصوم ومحمد محروس شيخ الشباب وعلاء عرفات وأيمن بيازيد وعبد الوهاب الكردي ورياض الحمصي...
واليوم وأنا أستعيد بعضاً من ذكريات الأمس، أشعر أن واجبي تجاه الحزب يدعوني _رغم الانشقاقات التي أصابته _إلى مناشدة جميع الرفاق على اختلاف مواقعهم داخل وخارج التنظيمات الحزبية أن يبادروا إلى توحيد صفوفهم، ونبذ كل ما يفرق بينهم، فسبيلنا واحد ما دام مصيرنا واحداً.. أدعوكم أيها الرفاق للتعالي على كل ما لا يليق بالمناضلين، وليبق يجمعكم الاحترام والتعاضد، فلا يجوز لأحد أن يقبل بأي أمر يضعف أو يشوه نضال وتضحيات حزبنا على مدى تاريخه الطويل، وأشكر صحيفة قاسيون التي أتاحت لي فرصة مخاطبة رفاقي الشيوعيين أينما وجدوا.