بين براثن الاستثمار.. والسرقات في وضح النهار عمال «فيمبكس» يبحثون عن الإنصاف
يطول الحديث عن «الفساد» فإذا بدأنا بأنواعه؛ من إداري واقتصادي وسياسي واجتماعي... لن ننتهي بأشكاله؛ من النهب والرشوة والتهريب والتهرب الضريبي والكذب...
وإذا أردنا أن نأخذ أنموذجاً فسنجد أن «معمل الورق» في دير الزور جامع لأغلب أنواع الفساد ومعظم أشكاله، وتبدأ قصة فساد القائمين على إدارة المعمل منذ إنشائه، حين قُدرت كلفتة إنشائه بما لا يتجاوز (400) مليون ليرة، فنافت عن المليار (ثلاثة أضعاف تقريباً)! وحين تم اختيار الأرض الإنشاء بما يخدم مصالح أحد المسؤولين وأقربائه، على الرغم من توفر أراض تملكها الدولة في المنطقة نفسها.. والمقدمات كثيرة.
لقد أعطي معمل «كوبلان»، لإنتاج العجينة الورقية (التابع حالياً لشركة فيمبكس السويسرية)، تحت مظلة المحاولات «المستمرة» لبيع وخصخصة مؤسسات ومعامل قطاع الدولة، أعطي للمستثمر «الكزبري» الذي ما انفك منذ بداية عهده، يسرق العمال والدولة في وضح النهار، وعند ما طالبه اتحاد العمال بتسديد الديون المترتبة عليه، والتي كان قد تهرب منها، قام المسؤولون بزيادة مدة عقده إلى 25 عاماًَ مكافأة له، بينما كافأ هو العمال بحرمانهم من الوجبة الغذائية!.
وآخر مظاهر فساده، وفساد من يدعمه، كانت ممارسات مدير المعمل الجديد: «جمال منصور»، المعين خلفاً لـ «لؤي المنجد» منذ حوالي ستة أشهر، حيث خفض عدد العمال من 250 إلى 150 عاملاً بحجة عدم الحاجة لهم، ورفض مطالب من تبقى منهم في التوقيع على عقود عمل تضمن لهم البقاء على رأس عملهم، ونقل أحدهم إلى دمشق، وحول آخرين إلى عمال تنظيفات عقوبة لهم بهدف حرمانهم من التعويضات التي يستحقونها بعد مرور سنوات على عملهم، مكتفياً بإعطائهم راتب شهر واحد عن كل سنة، بشرط أن يكون قد مضى عليهم أكثر من سنتين.
كما قام بحرمان العمال من المكافآت التي كانت تصرف لعاملين فقط من الوردية كل شهر، رغم أن الإنتاج لم يتعرض لأي نقص، بل أنه شهد انتعاشاً هذا الشهر إثر إنتاج طلبية كبيرة من الورق الأبيض!
وتزيد معاناة العمال المتعاقدين مع «فيكبس» عن معاناة أخوتهم العمال في شركة ورق دير الزور، فهم لم يشاركوا في الانتخابات النقابية، ولم ينتسبوا للنقابة بسبب الخوف من الفصل! والأقسام التي تحوي عمالاً من شركة الورق مع عمال «فيمبكس» تحوي براد ماء وغرفة لتبديل الثياب، وخزائن شخصية، أما الأقسام التي ينفرد بها عمال فيمبكس فقط فتخلو من كل ذلك، كقسم «السير» وقسم «الورق التالف».
ناهيك عن أن وسائط النقل «الثلاث» المخصصة لعمال المدينة غير كافية، مما يضطر ثلث العمال للوقوف على أقدامهم وصولاً إلى مقاصدهم، علماً أنه يمكن حل المشكلة عن طريق تأمين «مكرو رابع»، كما أن العامل الذي يحتاج إلى «تصوير» شعاعي أو طبقي محوري، يحوله الطبيب المتعاقد إلى مشافي الدولة للتوفير على المتعهد، وأي عامل يضطر لإجازة فإن عليه الإبلاغ عنها قبل 72 ساعة، وإلا فإنه يعاقب بحسم يومين من راتبه الشهري!.
والأخطر من ذلك، أنه رغم طبيعة العمل الشاقة لهؤلاء العمال، فهم يفتقدون لأبسط وسائط الوقاية والأمن الصناعي، فلا خوذات، ولا كمامات، وتخلو الآلات من كل وسائل السلامة والأمان، وبدلة العمل التي من المفروض أن تعطى للعامل كل ستة أشهر، نراها تعطى له كل سنة! بينما تمنح القفازات لعاملين فقط من بين خمسة عمال! ويتَّبع المشرفون على العمل أساليب متعددة لحرمان العمال من حوافز الإنتاج؛ توقيف الآلات عن وصول الإنتاج إلى 2000 طن بحجة الصيانة قبل وصولها إلى 4000 طن (حدّ الحوافز والإنجاز)، أو يعاد إنتاج الكمية نفسها بحجة عدم موافقتها للمواصفات. ناهيك عن حرمانهم من الوجبة الغذائية، وغيرها من التعديات على حقوق العمال.
وعند مراجعة مكتب نقابة عمال الصناعات الكيماوية في اتحاد عمال دير الزور، أكدوا لنا صحة مطالب العمال ومعاناتهم، حيث قال أحد أعضائها: «المستثمر الكزبري مستعمِر» وقال نقابي سابق: «لقد طالبنا كثيراً بحقوقنا وديون الدولة عليه، وبدل أن يُحاسب، كوفئ بزيادة مدّة عقده إلى 25 عاماً»، ومن المدهش أن العقد الموقع معه من الوزارة لا يلزمه بشيء! فمن وقع العقد معه وعلى أي أساس.. وماذا كان الثمن؟!
وبعد، أليست هذه سرقة للعمال والدولة؟ أليس هذا فساداً إدارياًَ واقتصادياً وحتى سياسياً، يخدم مصلحة أعداء الشعب والوطن؟! من سيحاسب «الكزبري».. ومن وراءه؟!