ارتفاع أسعار الأعلاف يهدد بقاء الثروة الحيوانية

في خطوة خطيرة تعد حلقة من حلقات مسلسل تدمير الاقتصاد الوطني، فرضت وزارة الاقتصاد مؤخراً ضميمة مالية قدرها /3500/ ل.س على كل طن مستورد من الذرة والشعير، وتبع ذلك ارتفاع أسعار الإنتاج المحلي من هاتين المادتين الهامتين كمكونين أساسيين في تركيب أعلاف الدواجن والأبقار والأغنام، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار الأعلاف بشكل عام، حيث اتخذ هذا الارتفاع طابعاً رسمياً وأصبح أمراً واقعاً عند رفع الدولة لسعر الأعلاف بزيادة /4000/ ل.س للطن الواحد.
نعم، إن هذه الخطوة خطيرة جداً وتنعكس سلباً على الثروة الحيوانية في سورية، فبنتيجة ارتفاع التكاليف المرهق لكاهل مربي الحيوانات والدواجن، قد تضطر هذه الشريحة لترك مهنة آبائها وأجدادها التي ترفد السوق الداخلية السورية بمعظم الحاجات الضرورية لمعيشة المواطن من الأجبان والألبان واللحوم والبيض والسَّمْنة.
وعند اضطرار المربين لترك تربية الحيوان والدواجن التي يعيشون منها لا يحرمون السوق من المواد الغذائية الضرورية فقط، بل ويرفدون سوق العمل بجيش كبير من العاطلين عن العمل، حيث يعمل في هذا المجال أكثر من 18% من السوريين. فكيف تقدم الحكومة على هذه الخطوة مع أن المسؤولين في وزارة الزراعة يعرفون عمق الأزمة وأبعادها؟! وقد صرح موظف رفيع المستوى في الوزارة أن أسباب ارتفاع تكلفة منتجات الدواجن يعود إلى ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج من الذرة الصفراء والكسبة وفول الصويا ومتممات الإنتاج من الأدوية واللقاحات البيطرية، الذي أدى إلى خروج أكثر من 65% من مربي الدواجن في سورية من التربية، لتعرُّضِها لخسائر كبيرة.

 شهادات حية

ومن أجل الوقوف على تأثير هذه الخطوة التي رأينا انعكاسها مباشرة على السوق الداخلية بارتفاع أسعار البيض والأجبان والألبان إلى حدود مرهقة للمواطن السوري، كان لنا بعض اللقاءات مع مربي الأبقار والدواجن، وأفادونا بما يلي:
ـ المواطن علي الحمود مربي أبقار في ريف دمشق قال: «إن رفع أسعار الأعلاف بهذا الشكل خطوة خطيرة على تربية المواشي، وقد يأتي يوم لا نستطيع فيه تحمل التكاليف العالية لتربية مواشينا، فنضطر لترك هذه المهنة، وقد نموت بعدها جوعاً لأنه ليس لدينا موارد أخرى للمعيشة، وبشكل عام فإن مربي الحيوانات إذا ترك هذه المهنة فليس له عمل آخر في المناطق التي تعيش على تربية المواشي».
ـ المربي سلطان الرعشة قال ساخطاً: «إن الحكومة تحاربنا محاربة واضحة وتسعى إلى تدمير ثروتنا الحيوانية والقضاء على قطعاننا التي ترفد السوق بالغذاء الضروري للمواطنين، ويشتغل في هذه المهنة مئات العاملين الزراعيين الذين ليس لهم مصدر معيشة سواها، وبينما كنا نتمنى من الحكومة أن تدعمنا وتشجعنا وإذا بها تحاربنا لنضطر إلى ترك المهنة، ولا يكفيهم أنهم رفعوا أسعار الأعلاف فإن كمية الأعلاف المخصصة للمواشي من المصرف الزراعي لا تكفي لـ25% من مجموع احتياجاتنا من الأعلاف، فنضطر لشراء الكمية اللازمة الباقية من السوق السوداء، حيث تبلغ 75% من احتياجاتنا، ونشتريها بأكثر من ضعف سعرها الحقيقي».
ـ المربي سعود حمدان قال: «إن الحكومة بهذه الخطوة تقوي علينا التجار الحيتان في القطاع الخاص، الذين يستغلون نقص العلف المقنن وتأخر المراعي، فإما يبيعوننا الأعلاف بضعف ثمنها أو يضطروننا لبيع مواشينا لهم بأسعار بخسة، ليحتكروها ويتحكموا بأسعارها فيما بعد، وإنَّ تخلي الدولة عن رعاية الفلاح والمربي ودعمهما، سوف يقضي على الثروة الحيوانية الهامة، وسيدفع القائمين على هذه المهنة إلى التوقف عن التربية، وتسريح العمال وتشريدهم، لأنهم لن يجدوا عملاً آخر يعتاشون منه».
ـ المربي محمود شحادة قال: «إننا نشعر بالقهر والظلم والسخط الشديد على ممارسات الحكومة، فرفع أسعار الأعلاف سبَّبَ للعاملين في تربية المواشي خسائر كبيرة، ونواجه الآن أسوأ المواسم نتيجة سنوات القحط والمحل المتتالية وانعدام المراعي وتراكم الديون وخاصة للمصرف الزراعي الذي لجأ إليه كثير من المربين في المواسم السابقة، وفي كل يوم تُفرَض أعباء جديدة على المزارعين العاملين في تربية الثروة الحيوانية، وهذا ينعكس سلباً على حياتنا اليومية كمواطنين، فنحن لدينا أبناء في المدارس والجامعات، وإذا انهارت مهنة تربية المواشي فليس لدينا عمل بديل في المنطقة».
 
مربو الدواجن
أما مربو الدواجن فكان لهم النصيب الأكبر من الخسائر والمعوقات التي بدأت بتضييق الخناق عليهم، وحدثنا صاحب إحدى المداجن فقال: «إن رفع أسعار الأعلاف هو ضربة قاصمة لعماد إنتاجنا الحيواني، فهذه المهنة بالأساس تتعرض لخسائر كبيرة بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، حيث أن كلفة إنتاج البيضة الواحدة أكثر من السعر الذي يفرضه علينا التجار الوسطاء الذين يكون لهم النصيب الأكبر من الربح، فهم يأكلون البيضة والتقشيرة، وإذا استمرت الخسائر على هذا النحو فإن ذلك يعني بيع مزارع الدجاج، وقد تدخل في حمى الاستثمارات السياحية والمضاربات العقارية، التي صورت لنا مشاهد من النمو والازدهار الأجوف».
هذه هي البرامج التنموية التي تتّبعها الحكومة، رفعٌ لتكاليف الإنتاج، تدميرٌ لقطاعات الإنتاج المختلفة، وصولاً إلى خلق الأزمات المعيشية اليومية للمواطن السوري، وتحميله أعباء إضافية بعد قرارها سحب الدعم عنه كاملاً، وكشف ظهره للملمات والمصائب، ليتحملها وحده بعيداً عن رعاية الدولة. فهل هدف الحكومة إيجاد شرخ بين المواطن والحكومة في خطوة مدروسة لتدمير الوحدة الوطنية الداخلية؟! سؤال برسم القائمين على رعاية الشؤون العامة ومصلحة الوطن!!