نزار عادلة نزار عادلة

توقف مشروع إصلاح القطاع العام.. فماذا عن العمالة؟

أكثر شركات ومعامل القطاع العام الصناعي، بحاجة إلى عمال إنتاج، خاصة وأن متوسط الأعمار في هذه الشركات والمعامل يبلغ 50 ـ 55 عاماً، وإذا كانت عملية إصلاح القطاع العام قد تعثرت أو تأخرت لسبب أو لآخر، فإن السؤال المطروح: لماذا لا نبدأ في دراسة واقع العمالة أولاً في هذا القطاع؟. نقول ذلك لأن حديثنا وعبر سنوات طويلة كان يؤكد على ربط التعليم بحاجات سوق العمل، وبالتالي بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويعتبر هذا من المهام الأساسية للسياسة التعليمية في كل مراحلها الأساسية المهنية والجامعية.

المتتبع لنتائج التعليم المهني والتقني يرى أن عملية الربط لم تتحقق حتى الآن، قبل سنوات عديدة كانت بسبب الموقف الاجتماعي من التعليم المهني والفني بشكل خاص، أما الآن فأعتقد أن المفهوم قد اختلف كثيراً، بسبب البطالة المتصاعدة أولاً، وبسبب صعوبة التعليم الجامعي، بعد وضع شروط وقواعد وإنشاء جامعات خاصة، تكلف أموالاً طائلة.

عدد المدارس في التعليم المهني والفني بلغ ما يقارب 65 مدرسة، وأضيفت إليها 201 ثانوية مهنية و15 ثانوية تجارية و75 ورشة في الثانويات المهنية الصناعية القائمة، ومعاهد فنية متوسطة، ومعاهد تتبع لوزارة الصناعة، ومعاهد لوزارة الري ولوزارات أخرى عديدة، هذا بالإضافة إلى معاهد ومدارس التدريب المهني، التي لا تشترط الحصول على شهادات، ويسجل العامل فيها ويتخرج بعد أشهر، وهو يحمل مهنة محددة.

قبل سنوات قلنا إن سبب عدم الإقبال على التعليم المهني هو الموقف الاجتماعي، حيث أن الأهل يطمحون أن يكون أبناؤهم من خريجي الجامعات وفي اختصاصات معينة، وهذا الأمر لم يعد وارداً الآن.

تقول النقابات العمالية في هذا الصدد: «إن المهن التي تُدرّس في معاهد وزارة التربية ووزارة الصناعة لا تزيد عن 10 % من المهن الموجودة في الاقتصاد الوطني وفي سوق العمل».

وأمام ذلك لا بد من إدخال مفاهيم العمل اليدوية، ومفاهيم الحرفة، إلى المرحلة الأولى من التعليم الأساسي، وإدخال بعض المهن اليدوية وبعض المهارات في المرحلة الثانوية من التعليم الأساسي، لأن ذلك يساعد على إيجاد موقف إيجابي من العمل اليدوي والحرفة من الطلاب أنفسهم، ويساعد على اكتشاف المهارات لديهم. مع توسيع المساحة التي يغطيها التعليم الفني والمهني من الحرف الموجودة في سوق العمل، وذلك عن طريق كما يقترح الاتحاد العام لنقابات العمال:

1 ـ إدخال القطاع الخاص والزراعي والصناعي والتجاري والمقاولات والحرفيين في التدريب والتعليم المهني، مما يؤدي إلى اتساع مساحة هذا النوع من التعليم، ويساعد على أن تكون الخيارات أمام المطالب أكبر مما هي عليه الآن.

2 ـ حصر الاستخدام في الدولة والقطاع الخاص بجهة واحدة مما يساعد على تتبع تغيرات السوق من حيث التعليم المهني والفني، ويساعد بالتالي على التجاوب مع سوق العمل الجديد، في النمو الاقتصادي بشكل سريع، وذلك للمرونة التي يتصف بها القطاع الخاص.

ولكن رغم هذه المقترحات، والجهود المبذولة لتنفيذها، لم ينتج في مخرجاتها ما يلبي حاجة سوق العمل الفني والتقني، كون المدارس والمعاهد القائمة تفتقر إلى المعدات التدريبية.

في العامين الماضيين عقدت ورشات عمل ومؤتمرات شكلت لجان عديدة لدراسة واقع التدريب المهني، وذلك بالتعاون مع المفوضية العليا للاتحاد الأوروبي، من أجل تنفيذ مخطط برنامج تحديث التعليم والتدريب خلال الفترة من 2005إلى 2008، ولكن ماذا كانت المحصلة؟

خرجت اللجنة التي شكلت لهذه الغاية بالملاحظات التالية:

ـ إن التعليم والتدريب المهني المتوفر حالياً يستهدف صغار السن بشكل رئيسي، ولا يوجد اهتمام بتدريب القائمين على رأس عملهم، وأن التنظيم مشتت بالإضافة إلى عدم وجود إطار متماسك.

ـ الحاجة الاقتصادية والاجتماعية الملحة لتقديم فرص عمل جديدة للأعداد المتزايدة من الشباب الذين ينهون تعليمهم الإلزامي ويبحثون عن وظائف، ولكن طموحاتهم  ماتزال معلقة بالقطاع العام.

وفي هذا الصدد يحضرني كلام لمستثمر في القطاع الخاص، أنشأ مؤسسة غذائية وطلب توظيف مائة عامل عن طريق الشؤون الاجتماعية بمهن متعددة، وتم إرسالهم إليه، وعند إجراء الفحوصات والمقابلات، معظمهم طلب أن يرفضه صاحب المنشأة بحجة عدم وجود إمكانيات وكفاءات لديهم، ولأنهم يريدون أن يعينوا في القطاع العام.

ماذا نستنتج من هذه الواقعة؟ عدم كفاية وفعالية الكثير من برامج التعليم والتدريب المهني الحالية، والضعف الراسخ بالتعامل مع التعليم والتدريب، حيث يجب السعي لتشكيل مهارات معترف بها عالمياً. وقد تم اختيار 18 شركة متنافسة لتكون كمراكز تدريبية ويستخلص منها الرؤية العامة للبرنامج عام 2008 ويتم على أساسها وضع سياسة وطنية جديدة للتعليم والتدريب المهني، وستكون معززة بالقوانين والأنظمة الضابطة.

وستكون مؤسسات التعليم والتدريب المهني الرائدة والبالغ عددها 18 قد قدمت معلومات وخبرات عملية لتعزيز تطوير السياسة والتطبيق الجديد، بما في ذلك إتباع المنهجيات التي تقوم على أساس الكفاءة في عملية تطوير المناهج والبرامج المخصصة للمحافظة على تطوير المعلمين والمدربين بشكل مستمر، وإقامة خدمات تشغيل جديدة لصالح كل من الباحثين عن العمل والصناعيين، وتنفيذ مبادرات تدريب جديدة لسد حاجات مجموعة معينة حيث ستكون خطة التلمذة الصناعية قد خضعت للتقييم  والتطوير.

تم البدء في هذا العام بتنفيذ هذه الخطط، ولكن كل هذا يبقى مجرد نظريات، إذا لم يواكبه توسع في الاستثمارات لامتصاص أفواج العاطلين عن العمل.

وماذا يعني أن تخرج المعاهد كادراً فنياً هاماً، ولكن لا يجد فرصة عمل!!!