اقتصاد السوق... والقضاء!!
من المعلوم أن الدستور السوري الدائم الصادر في عام 1973 قد نص في المادة /131/ منه على أن: «السلطة القضائية مستقلة، ويضمن رئيس الجمهورية هذا الاستقلال، يعاونه في ذلك مجلس القضاء الأعلى».
ومن المعلوم أيضاً أن اقتصاد السوق الذي فرضه الفريقa الاقتصادي على الشعب دون استفتاء شعبي، وبشكل يخالف الدستور الاشتراكي للبلاد، والذي جعل من أولوياته تشجيع الاستثمار الخارجي، يتطلب وجود قضاء مستقل وسريع لكي لا يقع الاقتصاد السوري والشعب السوري ضحية المستثمرين الجدد..
فهل كانت إجراءات الحكومة على المستوى المطلوب؟
إن الباحث في هذا الموضوع سوف يُصدم حين يعلم أن وزارة العدل فيها حوالي 800 شاغر قضائي حالياً، وأن عدد خريجي المعهد القضائي لا يتجاوز الـ50 قاضياً في السنة، وبالتالي فهناك تراكم هائل في الدعاوى أمام المحاكم، إضافة لتكليف القاضي الواحد بأكثر من محكمة واحدة، بسبب قلة عدد القضاة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا لا تقوم وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى بتعيين قضاة جدد من بين المحامين، أو من بين محامي إدارة قضايا الدولة، لتساهم في حل مشاكل المواطنين وتسهيل الفصل في دعاويهم التي يستمر بعضها لأكثر من 20 عاماً؟ وهل لموضوع اللصاقة القضائية علاقة بتأخير وعدم إشغال الشواغر القضائية؟ حيث من المعلوم أنه يتم حالياً توزيع حصيلة اللصاقة القضائية على جميع القضاة شهرياً، ويصل المبلغ أحياناً إلى عشرين ألف ليرة سورية للقاضي الواحد، وبالتالي فإن زيادة عدد القضاة سيُنقص بالضرورة من حصيلة اللصاقة القضائية، ودخل القاضي الشهري، فهل من المعقول أن نرهن مصالح المواطنين بخوف القضاة من انخفاض مدخولهم الشهري؟!!
وإذا انتقلنا إلى مجلس الدولة (القضاء الإداري)، فسنجد أن قانون مجلس الدولة الصادر في زمن الوحدة مع مصر الشقيقة عام 1959 قد نصَّ على إحداث محاكم إدارية في المحافظات، ولكن بالرغم من مرور حوالي خمسين عاماً، فإن هذه المحاكم لم تُحدث حتى الآن، فما هي المصلحة من ذلك، ولماذا يضطر المواطن للقدوم إلى دمشق لرفع الدعاوى، بينما يجب أن تُحدث محكمة في كل محافظة؟؟
ومن جهة أخرى فإن استقلال القضاء المنصوص عليه في الدستور هو على المحك، حيث يعجز مجلس الدولة حالياً عن إلغاء قرار صادر عن رئيس الوزراء بصرف موظف بريء من الخدمة، بينما في دول مجاورة يفاجئ القضاء الإداري جميع الحكومات باستقلاله التام عن الجهات التنفيذية، ففي باكستان على سبيل المثال قامت المحكمة العليا بمنع الرئيس السابق برويز مشرف من الترشح لرئاسة البلاد، مما اضطره للتنحي عن الرئاسة، إن هذا الاستقلال القضائي هو ما تحتاجه سورية لتحقيق مصلحة المواطن.
لقد قامت سورية منذ عدة سنوات بإعارة بعض القضاة إلى دولة عمان الشقيقة، وقد أثبت هؤلاء كفاءاتهم في تحسين وتطوير مرافق وزارة العدل فيها، أما في بلدنا فيعجز القضاء حتى الآن في التصدي لمسؤولياته بشكل يدعو للاستغراب، ترى ماالسبب؟!.. سؤال نضعه برسم رئاسة الحكومة ووزارة العدل ووزارة المالية.