أهذا هو ترشيد استهلاك الكهرباء كما تفهمه الحكومة؟؟
يشكو الكثير من المواطنين من الأرقام «الفلكية» لفواتير الكهرباء، فالتعرفة تصاعدية، وتبدأ بـ25 ل.س/ك وس للاستهلاك المنزلي بين 1-100 ك. و. س، وترتفع بنسبة 40% بالنسبة للشريحة الثانية بين 101-200 ك. و. س، وترتفع بنسبة 42,8% بالنسبة للشريحة الثالثة بين 201-400 ك. و. س، وترتفع بنسبة 50% بالنسبة للشريحة الرابعة بين 401-600 ك. و. س، وترتفع بنسبة 166% بالنسبة للشريحة الخامسة بين 601-800, ثم ترتفع بنسبة 16,6% بالنسبة للشريحة السابعة بين 1001-2000 ك. و. س. أما بالنسبة للشريحة الثامنة, أي ما يتجاوز 2000 ك. و. س، فترتفع بنسبة 14% عن سابقتها.
التصاعد بين أول شريحة وآخر شريحة يصل ارتفاعاً حتى ما نسبته 1600 % فهل هذا معقول؟! ماذا لو وصل التصاعد الضريبي على الأرباح إلى هذه النسبة؟ ما يجب قوله هو أن استهلاك الكهرباء ليس ترفاً, بل هو ضرورة، ثم إن الكهرباء لا تلوث البيئة، وعندما نعتمد في توليدها على الغاز والطاقات المتجددة كالشمس والرياح يكون الأمر أفضل وأنظف، وبالتالي فمن المفروض تشجيع استهلاك الكهرباء المعتدل.. والغريب الملفت أنه عندما يتجاوز الاستهلاك في الدورة الواحدة 2000 ك. و. س، ولو بـ«ك. و. س» واحد, نلغي جميع الشرائح، ويدفع المشترك 4ل.س/ ك. و. س على مجمل الاستهلاك, أي أنه عليه أن يدفع مبلغ 3194 ل.س زيادة مقابل استهلاك هذا الـ«ك. و. س» الواحد, فهل هذا معقول؟!!!
فوق ذلك هنالك رسوم استهلاك تصاعدية تضاف هي الأخرى، فما معنى هذه الرسوم التي تضاف إلى الفاتورة إلى جانب رسم العداد في كل دورة الذي دفع المشترك ثمنه بالكامل منذ البداية؟ أليست هذه زيادة غير مبررة على المشترك تحملها؟! هذه ضريبة على الاستهلاك الكهربائي غير منطقية, مع العلم أن وسطي استهلاك الفرد في بلادنا أخفض من مستوى الاستهلاك الكهربائي بأضعاف, مقارنة بوسطي استهلاك الفرد في الدول الصناعية!
إن ترشيد الاستهلاك لا يعني خفضه بالضرورة، فاستهلاك الكثيرين منخفض جداً، ولا يوفر لهم احتياجهم بسبب تدني دخولهم.. إن الرشاد الاقتصادي يقتضي إلغاء هذه الرسوم التصاعدية, لأنها زيادة على التعرفة تحت اسم آخر. وعندما نعتبر أن وسطي استهلاك المشترك في الدورة هو 2000 ك. و. س, يكون وسطي الاستهلاك السنوي 12000 ك. و. س, والمفروض أن يتم إصدار فواتير للدورات الخمس الأولى تقديرية اعتمادا على وسطي عدة أعوام سابقة، وأن يقرأ العداد مرة واحدة آخر العام, وأن يدفع المشترك مبلغ 4ل.س/ ك. و. س عن الزيادة فقط, وليس عن إجمالي الاستهلاك.
ماذا يحصل عند قراءة العدادات؟ يستطيع الموظف أن يتلاعب بتوزيع الاستهلاك بين الدورات الست بحيث يتجاوز أحدها الـ2000 ك. و. س عن قصد أو دون قصد, لكن المشترك يدفع الغرم الظالم بسبب تقدير الاستهلاك, لأن بعض الموظفين لا يغادر مكتبه, بل يكتفي بتسجيل أرقام اعتباطية بسوء نية بناء على توصيات شفهية من رؤسائه بقصد تعظيم إيرادات مؤسسة الكهرباء مثلاً, أو دون سوء نية لأنه كسول. وإلا كيف يمكن للاستهلاك أن يقفز بين دورة وأخرى عدة أضعاف؟! أليست هذه الزيادات غير المنطقية «سرقة» للمواطن الكادح بحجة «ترشيد الاستهلاك»؟! لماذا هذه الفاتورة المعقدة؟!
ذكر وزير الكهرباء الأسبق أحمد خالد العلي أن الاستهلاك المنزلي والإنارة العامة والدوائر الرسمية يعادل نحو 55% من إجمالي استهلاك الطاقة، وأن الاستهلاك الصناعي نحو 31%، والتجاري نحو 8%، والزراعي نحو 6% (المصدر: جريدة القنديل الأسبوعية، تاريخ 29/9/2008 صفحة 6).. فلماذا لم يذكر كل بند على حدة من إنارة منزلية ودوائر رسمية وإنارة عامة؟ استهلاك المعابد من جوامع وكنائس مجاني, لماذا؟ ألا يغري هذا بالبذخ والتبذير؟ يجب أن تدفع كلفة الاستهلاك أيا كان المستهلك، كأن تدفع وزارة الأوقاف مثلاً كلفة هذا الاستهلاك! ثم كم تبلغ كلفة إنارة الحدائق العامة والأشرطة الخضراء؟ كثيراً ما نجد الأضواء تتلألأ في أواخر الليل، و ليس من أحد منتفع منها لماذا؟ هنالك هدر كبير في الموارد لا مبرر له.. وأيضاً لتدفع بلدية الحي كلفة إنارة الحدائق، ولتحاسب على هدرها وتبذيرها!! أما استهلاك الدوائر الرسمية فيجب أن تدفعه الدوائر الرسمية ذاتها، فكثيراً ما نشاهد المكاتب منارة أثناء النهار في وضح الشمس المشرقة! فأي تبذير هذا وهدر للموارد! ثم هنالك استجرار غير نظامي, فلماذا يتم السكوت عنه؟ وهناك فاقد فني كبير, فلماذا لا يتم تداركه؟
لماذا يتوقف تصاعد التعرفة عند استهلاك 2000؟ هنالك بذخ كبير جداً في القصور، وينبغي أن يتتابع التصاعد في التعرفة عند وصول الاستهلاك في الدورة 2500 ك. و. س، و3000 ك. و. س، و5000 ك و س؟! هنا يمكن للتعرفة المرتفعة أن ترشد الاستهلاك، وأن تغطي حيزاً مهماً من كلفة الإنتاج. وحتى لو اعتمدنا الاستهلاك السنوي مثلاً الذي يتجاوز 12000 ك. و. س، وربما 30000 ك. و. س، ووصلت التعرفة إلى أكثر من 10ل.س/ ك. و. س، أو حتى 25 ل.س ل/ ك. و. س، لكان هذا عدلاً، ولما تحملت مؤسسة الكهرباء أية خسائر؟! لماذا لا نرفع تصاعد التعرفة بين 2000 – 3000 ك. و. س بالنسبة نفسها بين أقل شريحة وبين 2000 ك. و.س بالنسبة نفسها مثلا، والتي تصل إلى 1600 %؟! ومرة أخرى بين استهلاك الدورة الواحدة بين 3000 -4000 ك. و. س بالنسبة نفسها أيضاً؟ وهكذا دواليك..
علينا أن نبدأ أولا بترشيد توليد ونقل وتوزيع الكهرباء، فهنالك شبكات نقل متقادمة ويجب استبدالها بجديدة، ولن نستطيع الترشيد دون استثمارات إضافية حسب الحاجة في التوليد والنقل والتوزيع. فأين هي خطة التطوير هذه؟ عندما ننفذ هذه الاستثمارات نخفض كلفة الإنتاج، وعند اعتمادنا على الطاقات المتجددة كالطاقة الضوئية وطاقة الرياح، أو عند الاعتماد على الغاز بدل أن نحرقه كل يوم مبددين موارد ضخمة, نخفض كلفة الإنتاج أيضاً.. كما نستطيع اختزال كلفة أجور وانتقال الموظفين المكلفين بقراءة ملايين العدادات بنسبة 83,33% سنوياً, عندما نقدر الاستهلاك الوسطي لكل دورة ولكل مشترك اعتمادا على وسطي السنوات الخمس الماضية مثلاً، وتقرأ العدادات مرة واحدة سنوياً, بحيث يدفع المشترك مبلغاً ثابتاً عن الدورات الخمس الأولى، وتأتي التصفية في الدورة السادسة، عندها يتحول هؤلاء الموظفون للقيام بعد تأهيلهم بأعمال الصيانة الدورية والإصلاح.. الخ.. يتم بذلك تفادي وقوع الأعطال وتفادي انقطاع الكهرباء من حين لآخر, مما يحقق وفراً لمؤسسات الكهرباء ووفرا للاقتصاد ككل.
لتنشر وزارة الكهرباء جدولاً باستهلاك الكهرباء حسب الشرائح المختلفة من 1-100، 101-200 وصولا إلى 2000، وتتابع الشرائح المقترحة للاستهلاك البذخي بين 2001 -3000، و3001 -4000، و4001 -5000 ك.و.س الخ.. للدورات، وكذلك الاستهلاك السنوي للمشتركين حسب الشرائح المختلفة 6-600- و 606 -1200 الخ.. الذي هو الأعدل في حساب التعرفات، وننطلق منه في إعداد تعرفة جديدة رشيدة وعادلة ومنطقية. يجب أن تكون السياسة السعرية والتعرفات عادلة ومقنعة حتى يتعاون المشتركون مع وزارة الكهرباء في ترشيد الاستهلاك, ويجب أن يسبق ذلك ترشيد التوليد والاستثمار والنقل والتوزيع وهو الأهم.
إن استهلاك غالبية المواطنين قليل جداً، وقلة هي التي تبذخ, وتلك هي التي يجب أن تواجه بتعرفات مرتفعة تتناسب مع هذا الإسراف التبذير, سواء أكان ذلك المستهلك قطاعاً عاماً أو بلدية أو قطاعاً خاصاً أو فردا أو دائرة حكومية. علينا الاعتماد على خلايا الكلفة التي تتشكل في الإفراط في الاستهلاك وتحميل الكلفة عليها, أكانت قصرا أو دائرة حكومية أو معبداً.