من يحرق الأخضر واليابس في الرقة؟ وكيف؟
من يرى حرائق بقايا حقول القمح والشعير في محافظة الرقة من بعيد، يظن أنها بركان أيسلندا يقذف حممه وينتقل رماده وشراره في كل اتجاه وحيثما تهب الرياح ويتراكم فوق كل شيء كالعجاح.. وإذا كان العجاج بفعل الطبيعة التي خربها الإهمال والفساد، فهذه الحرائق لا دخل للطبيعة فيها.. بل هي نتيجة الجهل!.
فلماذا يحرق الفلاح بقايا مزروعاته اليابسة، وهو الذي حُرم في السنوات الأخيرة من حالة الكفاية التي حصل عليها خلال مسيرة حياته وكفاحه الطويل؟ أبسبب الجهل فقط كما يُقال، أم أنّ هناك أسباباً أخرى أكثر أهميةً لا يُحاسب أحدٌ عليها فتُلقى على كتفي الفلاح المغلوب على أمره؟
إن البحث بالأسباب يضعنا أمام الحقائق التالية:
ليست لدى الفلاح الإمكانية المالية كي يجمع القش بحصادات متخصصة لجمع مادة التبن والاستفادة منها أو التخلص منها بدل حرقها..
الإسراع والتبكير بزراعة المحصول التكثيفي للمحافظة على بقائه حيّاً على الأقل، وذلك تخوفاً من تقلبات المناخ الذي تجاريه الحكومة وتسبقه غالباً بتقلب مواقفها تجاه هذه المحاصيل من حيث الدعم والشراء والتسعير وغيرها عبر تسهيلها الأمور للتجار والفاسدين..
والأهم من ذلك الإسراع للحصول على كميات المياه لري المساحة المحروقة (التربيس)..
ضعف العلاقة وفقدان الثقة بمديرية الزراعة ووحداتها الإرشادية في المدن والبلدات والقرى، والتي لا تقوم بدورها في التوعية والمساعدة على تجنب الكوارث، ويكون عملها إمّا بجولات وهمية وأذونات سفر ومهمات غير واقعية مع ما يرافقها من تعويضات ومكافآت وحوافز، وسيارات فخمة أو إصلاح سيارات وفواتير وغيرها.. أو بتسلط وملاحقة على توريد الحبوب والمخالفات.. وكل ذلك يحملّها المسؤولية المباشرة قبل الفلاح المحبط والمغلوب على أمره..
الإهمال وعدم الاهتمام من السلطات الادارية المحلية المختصة التي ترى الحرائق الملتهبة وتعرف نتائجها السيئة، وهي إما منشغلة بكراسيها، أو غارقة في النوم كأهل الكهف!.
لا شك أن السياسة الاقتصادية الاجتماعية المتبعة للفريق الاقتصادي بقيادة النائب الاقتصادي والحكومة من ورائه والزراعية منها خصوصاً، قد جعلت الفلاح في حالة قلق دائم، رغم أنه ابن بلدٍ زراعيٍ بالدرجة الأولى، وذلك عبر رفع الدعم عن المحروقات وزيادة أسعار السماد وتحرير تجارته التي حرقت الأخضر من المزروعات، واليوم يقوم الفلاح ذاته بحرق اليابس منها مجدداً بعد أن كانت قد تراجعت هذه الظاهرة في السنوات التي سبقت وصول الطاقم الاقتصادي الحالي إلى سدة التخطيط والتنفيذ..!؟
لقد نوهت قاسيون إلى ذلك في السنة الماضية وفي الفترة نفسها، وبينت أخطار ونتائج حرق البقايا، على أمل أن يتمّ بحثٌ جدّيٌ للمسألة ومعالجتها، لكن يبدو أنّ الخيبة سيطرت كبقية الخيبات التي سببتها الحكومة، وأنّ الأمور لم تبق على حالها وإنما زادت سوءاً.. وهذا ليس مستغرباً لأن كل شيء يسير في الاتجاه المعاكس للمأمول، أي من سيئ إلى أسوأ، وتزداد معاناة المواطن وخسائره وخسائر الوطن ككل بسبب هذه السياسات المتبعة. وهذا الفلاح المسكين الذي ينام على موجة غلاءٍ ويستفيق على أخرى، في ظلّ سياسة البقاء للأقوى كما شريعة الغاب لا يسعه إلا المزاحمة لتحصيل رزقه، ولو أدى ذلك إلى تضرره من حيث لا يحتسب.
إن تحميل الفلاح وحده المسؤولية فوق أحماله من الفقر والغلاء والفساد وحتى الطبيعة جريمة تجب المحاسبة عليها.. كما يجب إعادة الاعتبار لزراعتنا وفلاحينا ومؤسساتنا الزراعية وجعلها أول الأولويات لتقوية اقتصاد الوطن وضمان أمننا الغذائي، مما يصلب المواقف تجاه المشاريع الرأسمالية الليبرالية ويقلل من دور الفاسدين ويحمي طبيعتنا من الخراب والتلوث ويحسن مستوى الفلاحين المعاشي.
■ محمد الفياض