«حوايج» الفرات وشطآنه تحتضر!!

يجري نهر الفرات في الأراضي السورية مسافةً تزيد عن 620 كم، بدءاً من جرابلس وحتى البوكمال، وخلال مسيرته الطويلة نشأت في مجراه عشرات الجزر النهرية (الحوايج) التي تتراوح مساحاتها بين عدة دونمات وأكثر من خمسة آلاف، وهي تعج بالكثير الكثير من الأشجار والنباتات البيئة التي كانت تشكل غابات طبيعية، جرى اقتطاع أغلبها اقتطاعاً جائراً، وكذلك الكائنات المختلفة التي تعتبرها موطناً لها، والتنوع البيئي والحيوي فيها بجماله الطبيعي يمكن أن يساهم في السياحة البيئية، بالاضافة للاستشفاء لنقاء وعذوبة هوائها ومائها. وهي نوعان: حوايج طرفية متصلة باليابسة نشأت نتيجة انحسار النهر وتحول مجراه وهي الأغلب، وحوائج وسطية يحيط بها النهر. وهي وفق القانون أملاك دولة ومن المفترض أن تكون محمية للحياة الفطرية، لكن قسماً مهماً منها استثمره الفلاحون وغيرهم بعقود ايجار رمزية منذ فترةٍ طويلة وقام بعضهم ببيع أراضٍ منها بعقود بيع صورية وباطلة قانونياً.

• حويجة كدرو بالرقة

 جزيرة نهرية مساحتها عشرات الدونمات ضمن حدود مجلس مدينة الرقة على الجهة الغربية لجسر الرقة الجديد بمسافة 2كم، استأجرتها إحدى العائلات منذ أكثر من 30 عاماً، ونتيجة الطفرة العقارية التي زادت من الجشع للحصول على عقارات محاذية للنهر بشكل مخالف لكل الاشتراطات البيئية والأنظمة العمرانية، وفي تعدّ سافر لحرم النهر تحت حماية ومرأى مجالس المدن والبلدات، وهذا ما شجع كثير من المستأجرين في الحوايج والشطآن لبيع الأراضي للطامعين بالمال العام والمتنفذين بأسعار مغرية وعقود باطلة ومنها العائلة المستأجرة لحويجة كدرو، وقد قاموا ببناء فلل وأعمال شوهت البيئة الطبيعية كتجريفها وإضافة طبقات من الحصى الذي استجر من قاع النهر وردميات لزيادة المساحات، واليوم تنتصب هذه الفلل في الحويجة وأغلبها للمتنفذين والتجار والسماسرة وقسم منها بني بعد عام 2005 مخالفين بذلك المراسيم الرئاسية والقوانين الناظمة، وهذا يتطلب إزالتها فوراً دون أي محاولةٍ للتسوية حولها.   

• حويجة صكُر بدير الزور

وهي تفوق حويجة كدرو أضعافاً مضاعفة مساحة، والجرائم البيئية فيها والتعديات على أملاك الدولة أكبر بكثير وأكثر مأساويةً، بل أن جزءاً منها قُدم لمستثمرين وهميين قاموا باستجرار قروض من الدولة لبناء مشاريع سياحية وهمية سرقوا خلالها أموال الدولة ولا تخدم المواطنين وإنما أصحاب الذهب والفضة، ولم تُستكمل بانتظار الفرصة المناسبة لجني الأرباح الكبيرة نتيجة فارق أسعار الشراء وأسعار المبيع، ويضاف إلى ذلك سوء التخطيط والتنفيذ للشوارع والكورنيشات حيث جرى قطع تغذية الفرع الصغير للنهر وتحولت المنطقة إلى مستنقع وبؤرة للحشرات والتلوث عند عبارة مدخل الحويجة وقرب محطة تصفية مياه الشرب، كما تم تخصيص بعض الجهات بقطعٍ من أراضي الحويجة لاستثمارها دون وجه حق.. وإذا أردنا تعداد التعديات في كثير من الجزر الأخرى كحويجة كاطع غربي الجسر المعلق وغيرها سنحتاج إلى صفحات كثيرة!. 

• شطآن الفرات

أما شطآن الفرات فقد كانت أيضاً  مرتعاً للمتنفذين والفاسدين الذين استولوا عليها بطرقٍ شتى باسم الاستثمار وإقامة منشآت لا تُخدم إلاّ أصحاب الأموال، أو بالشراء بأسعار زهيدة، ثُمّ قفزت إلى أرقام خيالية في عمليات البيع والمضاربات، كما مارسوا الأسلوب نفسه ببناء الفلل والردم ووضع الأسوار كمنتجعاتٍ لهم، ومنها وسط المدينة أو  كالشاطئ الذي يلي فندق فرات الشام على طريق دير الزور الرقة في ضاحية البغيلية أو على طريق ناحية الكسرة في بلدتي الحسينية والجنينة في دير الزور ..

وفي خطوةٍ ايجابية وشجاعة من بعض الجهات المسؤولة والقيمين على الشأن العام تم إزالة العديد من التعديات على الأملاك العامة على طريق دير الزور دمشق نطالب بمتابعتها في حوايج الفرات وشطآنه التي باتت تستغيث ..

إنّ ما جرى من تعديات على الأملاك العامة(أملاك الدولة) في حويجتي كدرو، وصكر وغيرها، وشطآن الفرات على امتداده يطرح تساؤلات كثيرة منها :

أين مديريتا الزراعة ودائرتا أملاك الدولة والأحراج فيهما من كل ما جرى ويجري من تعدٍ وتخريب تجاوز كل الأنظمة والقوانين والمراسيم، أم أن المسألة تبادل منافع على مبدأ حكلي لحكلك الذي يسود هذه الأيام !؟

أين مجلسا مدينتي دير الزور والرقة اللذين تُشهد لهما الصولات والبطولات على هدم بيوت الفقراء والمستضعفين الذين يضطرون للمخالفة تحت ضغط الحاجة، ولأنهم لا يعرفون مفاتيح الاسكات والصمت !؟

أين مديريتا البيئة مما يفعله المترفون والطامعون والجشعون وحديثي النعم ومن لفّ لفهم من الفاسدين والمتنفذين.. أم أنّ الضمائر ماتت أو جرى تغليفها بعوازل عن كل المشاعر !؟

ما دور وموقف المكاتب التنفيذية والجهات المسؤولة العديدة الاعلامية والرقابية والتفتيشية وغيرها .. بل وحتى الجمعيات البيئية مما يجري في وضح النهار من جرائم بيئية وسرقات موصوفة للأملاك العامة!؟ 

وأخيراً:

أين الرقابات الداخلية في المديريات والدوائر المعنية، وهل الخوف هو الذي يمنع كل هؤلاء من المجاهرة وفضح المستور واتخاذ موقف، أم أنّ اعتبارات أخرى كالمصالح وغيرها؟.

ثُمّ أهذه  هي تنمية المنطقة الشرقية التي يتشدق بها الكثيرون والجنة التي وعدنا بها الطاقم الاقتصادي والحكومة رغم مرور ثلاث سنواتٍ على مؤتمر الاستثمار الذي عُقد في دير الزور!؟

وفي قاسيون نتوجه إلى محافظ الرقة الجديد ومحافظ دير الزور وكل الشرفاء الغيورين على مصلحة الشعب والوطن، مطالبين بمحاربة الفساد وإعادة الأمور إلى نصابها لأنّ أملاك الدولة هي أملاك المواطنين ككل ويجب أن تستثمر بما يخدمهم ويحقق كرامتهم. 

الرقة / دير الزور- مراسلو قاسيون