فانتازيا أولية عن خصخصة البنية التحتية السورية!
سأتصور أن القطاع الخاص قام فعلاً بالاستثمار في البنية التحتية بعد إلحاح الفريق الاقتصادي بضرورة دخوله للاستثمار في هذه البنية بذريعة أنها تحتاج إلى ما لا يقل عن 50 مليار دولار لإتمام بنائها وتطويرها، وأن الموازنة السنوية للدولة عاجزة عن القيام بتنفيذ هذه المهمة. وسأتصور أيضاً أنك أيها المواطن العزيز مثلي، من ذوي الدخل المحدود، وأردت الذهاب أنت وزوجتك وأولادك الثلاثة إلى القامشلي في بداية فصل الربيع للاحتفال بعيد النيروز.. فماذا ستفعل؟؟.
لا بد لك أولاً من تحديد وسيلة الانتقال وهي إما سيراً على الأقدام، أو بواسطة البولمان، أو القطار، أو الطيارة.. وعلى افتراض أنك حددت القطار وسيلة للسفر كونه أخفض تكلفة من غيره، فإنك ستخرج من باب البيت قاصداً محطة القطار في منطقة القدم، حيث ستجد نفسك أمام خيارين هما: أن تذهب إلى المحطة عبر طرق المدينة العادية وعندها لن تتكلف نفقات إضافية، ولكنك ستصل إلى المحطة بعد 5 ساعات تقريباً لأن الطرق ستكون مزدحمة جداً جداً جداً، أو أن تستخدم الطريق السريع المملوك للقطاع الخاص على أن تدفع رسماً يبلغ 1000 ل.س عن كل شخص معك، وتستأجر سيارة تكسي مسموح لها استخدام الطريق السريع على أن تدفع مبلغاً وقدره 4000 ل.س، فتصل المحطة خلال 20 دقيقة لا أكثر.. وباعتبارك مسرعاً، فإنك لن تستعمل الخطوط الحديدية التابعة للدولة، وستختار خط قطار القطاع الخاص، فتذهب إليه..
على مدخل المحطة عليك أن تدفع رسماً قدره 300 ل.س عن كل شخص لعبورك إلى داخل المحطة، وما إن تدخل حتى تتوقف أمام نقطة تفتيش، فتدفع رسم تفتيش 250 ل.س عن كل شخص، وعندما تصل إلى كوة التذاكر عليك أن تدفع رسماً عن كل شخص قدره 200 ل.س بسبب التدفئة شتاء والتكييف صيفاً، ثم تشتري تذاكر السفر من الدرجة الأولى، وهي الأرخص من درجة رجال الأعمال والدرجة الممتازة بقيمة 3500 ل.س عن كل شخص معك، إضافة إلى 350 ل.س كضريبة قيمة مضافة ملزم بدفعها للحكومة.
وبعد أن تصل إلى مقصورتك تشعر بالعطش الشديد من كثرة الأموال التي دفعتها، فتضطر لوضع 200 ل.س في فتحة بجانب الصنبور للحصول على كأس واحدة لا تروي الظمأ، أما إذا أردت شرب مياه معدنية فإنك مضطر لدفع 500 ل.س عن كل عبوة!! وخلال قيامك بإرواء ظمأ عائلتك يدخل عليك موظف في القطار مطالباً برسم التهوية وقدرها 600 ل.س و200 ل.س رسم دخول للمطعم حتى لو لم تأكل شيئاً وذلك عن كل شخص، فتدفعه مذعناً..
عند وصولك إلى القامشلي تنزل من القطار وتذهب إلى باب الخروج من المحطة، ولكنك لن تقدر على الخروج لأن الباب مغلق، ولن تستطيع عبوره إلا بعد دفع مبلغ 800 ل.س كرسم خروج، مع 80 ل.س كضريبة قيمة مضافة..
هنا يسقط الأمر من يديك لأنك تكون قد دفعت مبلغا إجماليا وقدره 43800 ل.س حتى وصلت القامشلي، علماً أن راتبك الشهري أقل من 10000 ل.س شهرياً، فهنيئاً لك ولنا بهذه البنية التحتية ذات النجوم الخمس..
فهل ماتزال مصراً على السفر بعيداً، أم أنك تفضل الاحتفال في البستان القريب من منزلك؟.