آخر أعياد القضاء

أقر مجلس الشعب في 19/1/2010 مشروع قانون تعديل فئات الرسم الإضافي لدى القضاء، على أن يعمل به في 7/6/2010م.

والرسم الإضافي هذا يقصد به طابع دور المحاكم، وهو طابع يعود ريعه لإصلاح دور المحاكم وإنشاء محاكم جديدة بأبنية جديدة، وكان قد أخبرني كُبّار من فطاحلة المحامين، أن هذا الطابع كان قد أقر سنة 1960م باقتراح من المحامين, بقصد المساهمة في إصلاح وتشييد دور المحاكم، وهو منذ إقراره إلى اليوم لم يؤد الغرض من فرضه, فلا المحاكم أصلحت ولا الدور بنيت, اللهم إلا ما كان من القصر الفاخر حيث يقبع الوزير وجنده.

ولعل هذا ما حدا بوزارة العدل إلى تحضير مشروع بتعديل هذا الرسم, ورفع قيمة الرسم الطابعي من ليرتين ليصل إلى خمس ليرات سورية !!

طبعاً لا , وهل يعقل؟!

بل ليصل في ذروته إلى ألف ليرة سورية ابتداءً من خمسين ليرة، ومجلس الشعب الكريم ـ الذي يمثل بمعظمه الفئات الفقيرة ـ أقر المشروع وصيّره قانوناً.

وزارة العدل حققت كما تقول انتصاراً كبيراً، وبالعامية: «ضربت ألف عصفور بحجر».

- عائد ممتاز لإنشاء وإصلاح المحاكم، إن كان في العمر بقية.

- تخفيف ضغط كبير عن المحاكم، لأن الدرويش من أمثالي لن يدفع /1000/ ليرة سورية ليستأنف قرار رئيس التنفيذ، ولأن الدائن ـ بدين لا يتجاوز /5000/ ليرة- كما ينص القانون - لن يدفع /25/ ليرة عن كل عريضة في إضبارة استيفاء دينه، غير اللصاقة والطابع المالي والقيدي وو..... وأتعاب المحامي طبعاً، وكلما زاد الدين زاد الطابع.

وجانباً فهناك تسريبات بأن اللصاقة القضائية ذات المئة ليرة، والتي لا يجوز مطلقاً وبتاتاً أن يخلو طلب منها ستتضاعف إلى مئتي ليرة، ولله الحمد!!

طبعاً في البداية وحين نشر قانون التعديل آنف الذكر، سر به البعض، خاصة القضاة، ولعلي للوهلة الأولى كنت منهم، فمحاكمنا «المهرهرة» سيتحسن حالها، وستُنشأ محاكم جديدة وأبنية جديدة, وربما مكيفات في المحاكم أو على الأقل مراوح.

ولكن المخ بدأ يتحرك من سباته ليتذكر بعض الأحداث، فالوزير السابق أعاد لموازنة الدولة في سنته الأخيرة مبلغ /70/ مليون ليرة سورية، وحين سأله النائب ـ كما صرح ـ، أجاب بأن المبلغ فائض عن حاجة الوزارة وليس هناك ما ينفق فيه!

وقصر العدل الجديد الشامخ في أرقى مناطق دمشق وأغلاها, بباحته الكبيرة ومساحته الشاسعة وبنائه الفاخر, كان من المتوقع أن يحل أزمة المحاكم وأبنيتها, إلا أنه اتضح أن الفقراء لا يليقون بتلك الأمكنة, ومكانهم يجب ألا يتغير.

وبناء محكمة في الأرياف كان مزرياً بشكل مزعج حتى أن قضاته ضجّوا منه ورفعوا الطلب تلو الطلب لتغييره! نعم لتغييره! فالبناء كان مستأجراً، والأجرة كانت /1200000/ ليرة سنوياً، وفعلاً تم استئجار مبنى أفضل بكثير ونقلت المحكمة، وأجرة المبنى الجديد زادت فقط /400000/ ليرة، وهو ثمن بخس مقابل تحسين المحكمة، ولكن النكتة المضحكة المبكية هي أن الوزارة أجّرت غرفة صغيرة في هذه المحكمة الجديدة لمستثمر يبيع الطوابع والشاي للمراجعين بمبلغ /2200000/ ليرة، وهذا شيء عجاب،  يستوجب ألف سؤال وجواب!

والسؤال الأول: لم هذا الطابع؟ ومن المستفيد منه؟ وهل سيغذي هذا الطابع محاكمنا بالفعل أم ربما لتحسين حال قصر المزة أكثر فأكثر؟

من مصلحة مَن أن تزداد- في هذه الظروف بالذات- أعباء المواطن الفقير؟ ومَن هو؟ إنه المسكين الذي يلجأ إلى – ما يفترض أن يكون الملجأ – ليستعيد حقاً غصب منه !

إلا أن هذا الملجأ المفترض بدأ يبتعد عمن لا يملكون مهره! وما أكثرهم؟! ومن كان يقول في السابق: السيارة ليست لأصحاب الدخل المحدود, الرفاهية ليست لهم, ال.., حُقَّ له اليوم أن يقول: القضاء لم يعد لأصحاب الدخل المحدود!!

فقانون تعديل الرسم الإضافي سيساهم بشكل أو بآخر بعودة الحق إلى أصحابه، لا بالقانون، ولكن بقوة العضلات، فسياسة «خذ حقك بيدك» ستغدو أرخص وأوفر وأسرع، كما يقول بعض المحامين.. ومجلس الشعب الغائب حقيقة عن حال الطبقات الفقيرة، والمفترض أن يكون /65%/ من أعضائه قد نشؤوا من ضمنها، قد قال كلمته الفصل وابتدأ النهاية.. واليوم لم يبق للمتقاضين إلا الصبر والسلوان، ولزوم البيت صار أسلم.

أما القاعدة التي درسناها في كلية الحقوق والتي «أكلوا رأسنا بها» والتي تقول: «العدالة مجانية»، فقد رد عليها نزار منذ زمن وقال:

فـي زمن الطفولة،  قرأنــا عن النخوة والعـزة والإبــاء والشـــجاعة

ثم اكتشفنا في الكهولة، أن نصف ما قرأناه في حصة التاريخ ما كان سوى إشاعة.

هذا الطابع الذي ارتفع, يخشى الجميع أن يكون فاتح شهية, ثم يحلو الدسم من بعده, ويطيب الموت يا عرب. ألف مبروك لكل مستفيد من هذا القانون. وآمل أن يكون هذا آخر أعياد القضاء! 

محمد عصام زغلول