صندوق لدعم القطاع الخاص.. والقطاع العام إلى الهاوية!!
يبشرنا د. فؤاد عيسى الجوني وزير الصناعة بأن مرسوم صندوق التنمية الصناعية قد أصبح جاهزاً وهو يهدف إلى تحقيق أمرين: الأول تشجيع الاستثمار الصناعي عن طريق المساعدة في الحصول على القروض بمعدلات فائدة مدعومة، بجزء من الصندوق، وأيضاً تقديم دراسات الجدوى النوعية والاقتصادية لمشروعات يدعمها الصندوق، وحالياً سيساعد الصندوق على الحصول على قروض من خط الائتمان الإيطالي بقيمة /25/ مليون يورو، حيث ستتم الدارسة ضمن إدارة الصندوق، وفي حال كانت مجدية سيتم التوجيه لإعطاء هذا القرض من خط الائتمان، ويمكن كذلك المساهمة من الصندوق أيضاً. وفي حال وجود ارتفاع في أسعار حوامل الطاقة توجد دراسة أولية غير مقَرَّة بعد، عن إمكانية المساعدة للصناعيين للتخفيف من عبء ارتفاع أسعار حوامل الطاقة.
فهل إقامة هذا الصندوق هو نتيجة لنمو المشاريع العقارية والسياحية التي بلغت خلال العامين الماضيين بحدود /750/ مليار ل.س؟ أي ما يعادل /75%/ من مجمل الاستثمارات التي وظفت في الاقتصاد؟ في حين مازال قطاع الصناعة يعاني بقطاعيه العام والخاص من جملة من الهموم والمشكلات التي تبعدهما عن المساهمة الفاعلة في العملية الاقتصادية، ويضاف إلى ذلك تردي حال القطاع الزراعي الذي تكشفت حاله ليس عبر الجفاف فقط، وإنما من خلال رفع أسعار حوامل الطاقة وتحرير أسعار الأسمدة والمستلزمات الزراعية الأخرى، وهذا ما يطرح سؤالاً حول جدوى مشاريع الاستصلاح الزراعي، ومسألة تحقيق الأمن الغذائي الذي تعرض للاهتزاز جراء التراخي في تحسين كفاءة استخدام الموارد المتاحة وإهمال القطاع الزراعي بشكل عام.
من هنا نسأل: هل يقدم القطاع الخاص ضريبة دخل على الأرباح كما تقدم شركات القطاع العام؟ بالتأكيد لا... لأنه أصلاً معفى من الضرائب لسنوات بموجب قانون الاستثمار، ولكن كيف تقدَّم له كل هذه التسهيلات وتُترَك شركات القطاع العام لمصيرها في التصفية والموت المحتم؟
شركة الإطارات نموذجاً للشركات المقتولة
سجلت الشركة العامة للإطارات أرباحاً صافية خلال العقدين الماضيين، فمن العام 1991 ولغاية 2004 كانت أرباحها على الشكل التالي:
836.480.016 ل.س قبل اقتطاع الضريبة.
332.937.322 ل.س بعد اقتطاع الضريبة.
503.542.694 ل.س المحول للمالية لقاء ضريبة دخل الإرباح.
وبلغت الخسائر المسجلة من العام 2005 ولغاية 2008 مايلي:
332.937.322 ضرائب دخل الأرباح من العام 1991 ولغاية 2003 سنوات الربح.
489.454.142 ل.س تسديدات إلى المؤسسة الكيميائية لقاء الفوائض الاقتصادية.
321.881.213 التمويل الذاتي المستخدم من الفوائض الاقتصادية في تمويل الخطط الاستثمارية.
ووصلت الشركة إلى الخسارات بدءاً من عام 2005 وحتى العام الحالي بحدود مليار ل.س، وقد أدى ذلك إلى تآكل رأس المال إضافة إلى ترتيب التزامات مالية تجاه الغير بحدود /400/ مليون ل.س وعشرات المذكرات رُفِعت من إدارة الشركة تطالب بمنحها قرضاً من مؤسسات وزارة الصناعة التي لديها فائض مالي أو قرض من المصارف الحكومية بحدود /60/ مليون دولار، ودعم الشركة بهذا المبلغ يتيح لها الإنتاج بخطط تقدر كميتها بين /7 ـ 7.5/ ألف طن سنوياً قيمتها بحدود /1300 ـ 1400/ مليون ل.س مع تحقيق أرباح بحدود /100/ مليون ل.س سنوياً ولمدة /3 ـ 5/ سنوات، وهذا مرهون بالاتفاق مع مؤسسة التجارة الخارجية الذي وُقِّع مع الشركة عام 2009، وأهم ما جاء فيه بأن تقوم المؤسسة باستجرار كامل المنتَج من النخب الأول، يترافق مع فرض رسوم جمركية عادلة وضوابط نوعية على الإطارات المستوردة، أسوة بالمعمول بها في أكثر الدول العربية، والمساعدة على تحسين إجراءات شراء المواد الأولية دون روتين.
لم تستطع الشركة تأمين القرض، وقدمت الصين قرضاً وتم رفضه وتُرِكت الشركة لمصيرها، واقترحت الإدارة الحالية أمام هذا الواقع عدة حلول:
1ـ إيجاد الشريك وإقامة شركة مشتركة.
2ـ منح التمويل المالي اللازم للمحافظة على الوضع الراهن.
3ـ طرح الشركة على الاستثمار.
ولم توافق الجهات الوصائية على أي من هذه الحلول.
شركة حمص للغزل والنسيج والصناعة
تأسست هذه الشركة عام 1946 وتم تأميمها عام 1965، وهي من أقدم شركات الغزل والنسيج في سورية، وكانت تؤمن احتياجات السوق المحلية وتصدر إلى أوروبا أقمشة مختلفة على مدى سنوات عديدة، وقد توقفت هذه الشركة عن العمل بشكل نهائي منذ العام 2008. وكانت هذه الشركة بقرة حلوباً لبعض المدراء الذين تواكبوا عليها ولجهات وصائية، قُدِّمت لها قروضٌ من جهات عربية ودولية لتطوير آلياتها ورُفِضت، وأجريت دراسات لإقامة خطوط إنتاجية جديدة وكلفت هذه الدراسات مبالغ كبيرة وقدمت هذه الدراسات للقطاع الخاص ومنها خط للعوادم وخط لإنتاج الجينز وخطوط أخرى عديدة، ولم تتم الموافقة على أي تطوير في هذه الشركة، ووصلت خساراتها إلى المليارات، فأوقِفت وطُرِحت أرضها للتأجير لإقامة منشآت سياحية و(كباريهات).
وهناك الكثير من الشركات والمؤسسات التي تمت تصفيتها بالكامل، كمؤسسة المكننة الزراعية وغيرها، وصُفيت شركات عديدة في القطاع العام، ولم تفكر وزارة الصناعة أو الجهات الوصائية الأخرى بإنشاء صندوق لدعم هذه الشركات، وهي إن كانت خاسرة فإن سبب خسارتها يعود للجهات الوصائية، وإقلاعها ليس بحاجة إلى معجزة، وأي شركة وقعت في خسارة أو عجز لم تكن قد توسطت وراسلت جهات وصائية متعددة للحصول على قرض بهذا المبلغ ورفض طلبها، والآن كيف يمكن أن نثق بالتصريحات اليومية التي تؤكد على إبقاء القطاع العام و(لا خصخصة)؟!