معاناة فلاحي السويداء... مستمرة

«ليبقَ التفاح بالأرض سماداً ولن أبيعه لأولئك السارقين» هكذا علّق أحد الفلاحين في السويداء بعد أن وصل إلى حدود اليأس من إمكانية بيع وتسويق ما لديه من تفّاح لهذا العام .

 هذه الإشكالية القديمة الجديدة التي يصطدم بها فلاحو السويداء كل سنة منذ أكثر من 30 عاماً وحتى اليوم، لكن الجديد في هذا العام والذي حوّل تلك الإشكاليات إلى معاناة ومأساة حقيقية هو ارتباط مشكلة تسويق الإنتاج من التفاح مع الأزمة الوطنية، كما هي الحال في كل الملفات الاقتصادية الاجتماعية الأخرى، ففي هذا العام أعلن الضمانون مبكراً أسعاراً للتفاح متدنية جداً بسبب المخاطر الأمنية وغياب إمكانية التأمين على السيارات وغيرها من مشاكل النقل، فتراوح سعر كيلو التفاح المعروض على الفلاحين من الضمانين بين ال20 ل.س وحتى  ال22 ل.س هذا السعر الذي لا يغطي تكاليف العناية بالشجر من الرش والتقليم  ثم الفلاحة والتسميد، والتخزين في البرادات الخاصة مكلفة أكثر، فكان الحل الوحيد أمام  الأغلبية العظمى من الفلاحين اللجوء إلى التخزين لدى فرع المؤسسة العامة للخزن والتوزيع في السويداء والتي عرضت أسعاراً تعتبر جيدة، وتم الإعلان رسمياً عن استقبال كل كميات التفاح، لتكون المفاجأة عدم وجود صناديق بلاستيك لدى المؤسسة تكفي لاستيعاب كميات التفاح الموجودة، اقترحت المؤسسة أن يشتري الفلاحون الصناديق ثم يتم التعويض عليهم لاحقاً لكن هذا الاقتراح غير ممكن بسبب الإمكانية المالية الضعيفة للأغلبية الساحقة من الفلاحين إضافة لعدم وجود تلك الكميات في السوق، جاء التوجيه من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بشراء 25 ألف صندوق لتغطية الطلب وقد لاقى هذا الحل قبولاً لدى جميع الفلاحين، لكن يعلّق عدد من الفلاحين الأعضاء في جمعيات فلاحية : «جاء القرار من الوزارة وهو كفيل بحل المشكلة، نعم صحيح، الأزمة الآن تكمن في ضبط الفساد الموجود في فرع السويداء وفي المؤسسة العامة للخزن والتوزيع في سورية فالكمية الأولى التي اشتريت ذهب أكثر من نصفها إما لوزير سابق، أو لزعيم عائلي أو ديني، أو لأحد الضمانين الكبار المشترك دوماً مع الفساد».

تجدر الإشارة إلى المشكلات السابقة لهذه المشكلة والمكملة لها، أولها مواد الرش المنتهية مدتّها إذ كانت معظم الأدوية وخصوصاً منها الخاصة بمرض «السوس» تنتهي صلاحيتها الدوائية منذ عام 2008 وتم تداولها في السوق رغم التحذيرات العديدة، مما سبب أضراراً كبيرة للمحصول يدلل عليها الفلاحون بالكميات الكبيرة من التفاح المتساقط تحت الشجر بالرغم من العناية والمتابعة الجدية لمواعيد وكميات الرش. المشكلة الثانية كانت في توزيع المازوت على الآليات الزراعية حيث كان الوعد بتوزيع 50 ليتراً من المازوت أسبوعياً، لم توضع آلية للتوزيع العادل وفق جداول تنظم الدور، ثم جاء تعميم ينص على إعطاء كل فلاح صاحب آلية زراعية قسيمة تخوله شراء الكميات المخصصة من أية كازية، ولا تعليق هنا على وجود تلك القسائم لكن المشكلة في عدم تحديد مراكز وكازيات خاصة لهذه المهمة، ونتيجة لذلك بات الفلاحون في سباق ليعرفوا أي الكازيات يتوافر لديها المازوت مما خلق طوابير خانقة مجدداً، إضافة لعدم وجود رقابة فعّالة على التوزيع فكان يأتي أحياناً مجموعة المحافظة أو الجمعية الفلاحية ومعهم عناصر من الشرطة يمرّون على الكازية الموجود فيها مازوت وطوابير الآليات، يسألون عن حال الجميع ثم يغادرون بعد خمس دقائق، هذا الأمر وضع الفلاحين تحت رحمة مزاج أغلبية أصحاب الكازيات ومصالحهم وفسادهم، بالتالي أبطلت كل الفعالية والفائدة المرجوة من وجود القسائم وعادت مشكلة عدم توافر مادة المازوت للآليات الزراعية إلى بداياتها.