محمد سلوم محمد سلوم

الوافدون السوريون إلى طرطوس بين ضخامة الحدث... وعدم التحضير المسبق له

الرغم من أن الدول المجاورة الشريكة في استباحة الدم السوري، خططت مسبقا لإقامة مخيمات، وقامت وعلى الملأ بتجارب لكيفية استقدام لاجئين سوريين بهدف استخدامهم في زيادة التوتر والابتزاز والضغط على الحكومة السورية، وبالرغم من إن سورية مرت بتجارب كثيرة واستقبلت وآوت وأغاثت ملايين المهجرين العرب من بلدانهم، وبالرغم من الكتب التي صدرت عن رئاسة مجلس الوزراء إلى الجهات المعنية بالاستعداد لعملية الإيواء والإخلاء وتحديد أماكن لذلك وقام فرع الهلال الأحمر بتحديد أماكن الإيواء وخاصة في الوحدات الإدارية التابعة للمناطق، لكن على ما يبدو أن الجهات المسؤولة عن التنفيذ لم تكن مستعدة ولم يكن لديها تصور مسبق أو رؤية عن كيفية التصرف في حالات الكوارث الطبيعية أو الاجتماعية سواء كانت من صنع القدر أو من صنع البشر، إن قسماً كبيراً من هذه الجهات المسؤولة كان في مواقعه القيادية قبل الأحداث ومنهم من رافق وساهم فيما وصلت البلاد إليه من أزمة سواء كان عن جهل أم عن عمد، هؤلاء منهم من كلف بإدارة الأزمة، باختصار شديد لن يفلحوا جيدا لأن فاقد الشيء لا يعطيه، فكيف إذا كان متعمداً لا جاهلاً.

الجهات الحاضنة

بازدياد توسع مساحة التوتر والأحداث في سورية زاد عدد الوافدين إلى محافظة طرطوس، وازداد الضغط مع بداية أزمة حلب، وتنوعت الجهات التي قامت بالإيواء والإغاثة من عائلات وفعاليات ومنظمات شعبية وفعاليات اقتصادية وجمعيات أهلية .... لكن هناك جهتين أساسيتين قامتا بعملية الإغاثة والاحتضان والتوثيق وان تباينتا في درجة النشاط والمسؤولية هما: الهلال الأحمر السوري، ومديرية الشؤون الاجتماعية والعمل، الأولى: تعتبر منظمة وطنية إغاثية إنسانية لها طابع دولي و ( غير حكومية ) والثانية: تقوم بعملية تنظيم الوثائق والثبوتيات والإشراف على تقديم المساعدات ومن ضمنها الوضع الصحي وغيرها من الخدمات وهي جهة حكومية، وهاتان الجهتان تنسقان مع الدفاع المدني كجهة أساسية في عملية الإغاثة، وبعد أن يجهز المركز لإيواء الوافدين تصبح المسؤولية مشتركة لمعظم المؤسسات كل فيما يخص عمله كخدمات من مياه وكهرباء وصرف صحي ... ، ومتابعة تفقد أحوالهم وحاجاتهم وحمايتهم وهذه الأعمال الجماعية تكون بإشراف لجنة الإغاثة برئاسة السيد محافظ طرطوس.

في فرع الهلال الأحمر بطرطوس  / 12 / موظفاً فقط، أما المتطوعون فعددهم غير معروف، يزداد أثناء العطل الجامعية ويتناقص أثناء الدراسة، كما صرح لقاسيون رئيس الفرع الأستاذ أحمد عثمان، ونتيجة للتجربة التي عاشها كوادر الفرع بإيواء وإغاثة ملايين العرب في الحرب على العراق وعلى لبنان اكتسبوا خبرة مميزة وأصبحوا يعملون مع المنظمة في عدة دول من العالم.

ترسل الإعانات إلى الفرع حسب الجداول والتقارير المرفوعة من قبلهم، تقدم هذه المعلومات للمنظمات المانحة وعلى أساسها يبعثون المساعدات ويراقبون التوزيع، وهذه المساعدات تأتي عن طريق منظمات الأمم المتحدة، وقدوم أي مساعدة أو وفد لن يدخل إلا بالتنسيق مع الهلال الأحمر، والآن يوجد / 15 / مركز إيواء في المحافظة ( مخيم الكرنك – مخيم الطلائع – الشؤون – مركز إنعاش الريف – معمل الحرير - ... ) ومجموع العائلات التي تم إيواؤها بحدود / 600 / عائلة مع العلم أن المسجل لدى الفرع يتجاوز/ 20 / ألف عائلة مع العلم أيضا أن إمكانيات المركز لا تتعدى مساعدة / 7 / آلاف عائلة كحد أقصى، ويوجد لدى الهلال الأحمر / 10 / مراكز توزيع منها مستأجر ومنها مقدم من المجتمع الأهلي، تخزن المواد فيها بما يلبي حاجة العائلات بمحيط منطقة المركز، وحتى تاريخ كتابة هذا التحقيق كان يأتي إلى الهلال الأحمر / 11850 / حصة غذائية من ضمن برنامج الغذاء العالمي، مع العلم إن محافظ طرطوس تحدث عن أكثر من / 300 / ألف وافد. والتوزيع على مراكز الإيواء لا يتم بقرار ملزم بل حسب رغبة الوافد وظروفه وهواجسه والرغبة في إيجاد عمل في المدينة، مثلا هناك عشرات العائلات والعدد في تزايد تسكن في ملجأ للشؤون الاجتماعية والعمل، وهناك مركز إنعاش الريف لأنه خارج المدينة ويستوعب لأكثر من ألف شخص أما الموجودون فيه فحوالي المائة شخص.

 

قرار غير ملزم

صدر كتاب من وزير الإدارة المحلية برقم 459 / خ / و/ 1 تاريخ 12 / 4 / 2012 حول حصر أعداد العائلات الوافدة وتسجيل الأسماء، والمعمم على كل الوحدات الإدارية بموجب كتاب من السيد محافظ طرطوس، وعلى أساس هذه الكتب تم اعتماد ورقة ثبوتية اسمها ( شهادة مختار ) ومصدقة من الوحدة الإدارية في البلدة وتحوي كل المعلومات المدنية وتعتبر كسجل مدني للوافد وتؤكد للجهات المعنية بالإغاثة والإيواء أنه فعلاً وافد، نتيجة للأحداث في مدينته ومعرفة عدد أفراد أسرته، ومن أجل أن تقوم الوحدات الإدارية بعملية الإيواء حسب مقدرتها كي تخفف الضغط على المدينة وعلى كلا من الشؤون والهلال الأحمر، وحسب رأي الجهة الأخيرة لم يتم هذا التعاون على المستوى المطلوب، وشاهدنا بعض هذه الوثائق المطلوبة عليها فقط اسم حاملها وتوقيع المختار دون تسجيل أية معلومات أخرى، وهذا ما أدى إلى ضغط وخرق، الضغط أصبح فوق إمكانيات الهلال الأحمر والخرق قام به قسم من الوافدين، مثلاً كثير من الأسر تعيش وتعمل في طرطوس منذ سنوات وهي من محافظات أخرى لعدم وجود ثبوتيات أخذت معونة غيرها، وكثير من العائلات الوافدة كان الزوج يسجل كعائلة والزوجة تسجل أيضا وحسب عدد الأولاد يسجلون كعائلات، وهؤلاء قسم منهم كان يبيع دوره لمن هو مضطر أكثر، وقسم كان يبيع مخصصاته للآخرين.

 

اقتراحات ملزمة

مادامت هناك كتب من رئاسة مجلس الوزراء إلى المحافظات، ومن المحافظين إلى الجهات المعنية، والمراسلات والزيارات التي تمت بين الهلال الأحمر والدفاع المدني وزيارة الوحدات الإدارية وتسمية المراكز فيها، ومادام مكتب الجاهزية ولجنة الإغاثة موجودة ومسماة بقرار، كل ما هو مطلوب تفعيل هذه القرارات وتطبيق محتوى الكتب المرسلة وتنفيذ ما اتفق عليه على الأرض، مثلا: لو قامت الوحدات الإدارية بتنفيذ ما طلب منها من التوثيق الصحيح حتى الإيواء لقدمت خدمة كبيرة في تخفيف الضغط على المدينة وعلى الهلال الأحمر وبالتالي من خلال الوثائق التي ترفعها إلى وزارتها قد تصبح الوزارة معنية بتقديم مساعدات سواء من خلال إمكانياتها أو من خلال ما يقدمه المجتمع الأهلي، إضافة لذلك كانت قد شاركت المحيط الاجتماعي في المركز بالتفاعل وتقديم المساعدات العينية أو النقدية وحتى غلال المحاصيل الموجودة، وبالوقت نفسه تمتن العلاقات الاجتماعية واللحمة الوطنية أكثر، وهذا ما حصل في الدريكيش حيث الهيئة الحزبية والمجتمع الأهلي يقومون بعملية تقديم الخدمات، وبدأت تنتشر هذه الظاهرة في قرية العلاقية وقرية شاص ووحدة عين دابش، إضافة لذلك يوجد لدينا نقابات مهنية وحرفية إضافة إلى نقابات مؤسسات الدولة ومعظم هذه النقابات تملك مقرات ومنها يملك أماكن ترفيه ومنها ميزانيته بعشرات الملايين، والوفدين منهم المهندس والمحامي والعامل والمعلم والحرفي والموظف في الدولة و التاجر والصناعي ... ، كانوا يتسابقون في الإسراف على الولائم لقدوم أي مسؤول أو بحجة نجاح مؤتمراتهم، لماذا لا تساعد كل نقابة أسر أعضائها، لماذا لا توضع هذه النقابات والفعاليات الاقتصادية والقطاع الخاص أمام مسؤولياتها الوطنية والإنسانية والارتقاء إلى مستوى المسؤولية، وخاصة هناك مقرات شاغرة أو قسم منها مثل ( بناية الأوقاف - مجمع الحزب – فندق المعلمين – مجمع الحرفيين  - نادي المهندسين  ... وغيرهم ) ، لماذا لا يتم التفاهم والتنسيق مع غرفة الصناعة والتجارة والزراعة حول تقديم حد معين وواضح من المعونات وبإشراف لجنة، وإمكانية فتح حساب في المصرف يتم التبرع على هذا الحساب ويتم سحب الأموال حسب الحاجة على رقم هذا الحساب، بدل أن تكون فردية وعفوية أن تكون منظمة وواضحة، مثلا : هناك أحد الميسورين ( وأرجو أن يكرم ) قام بإيواء / 200 / عائلة، واستأجر 40 / شقة سكنية وقام بتقديم احتياجاتهم عن طريق الهلال الأحمر وقدم قيمة نقدية لابأس بها توزع على عائلات الشهداء، أيضا طلاب مدرسة الفينيق الخاصة جمعوا من خرجيتهم / 90 / ألف ليرة قدمت للهلال الأحمر لشراء حليب أطفال لأنه هناك بعض النقص في هذه المادة، لماذا لا يتم التفاهم مع الأوقاف لإشراك أموال الزكاة والصدقات وتسخيرها في هذا المجال، فلنتعود ونأخذ قراراً ملزماً بأن تكون الحلول بإمكانيتنا وبأيدينا.

 

الشؤون الاجتماعية والعمل

مهمة الشؤون توثيق أمور الوافدين والإشراف على متطلباتهم وعلى المساعدات التي تقدم لهم، ومسؤولون عن متابعة الوضع الصحي بالتنسيق مع مديرية الصحة، وتقدم مادة الخبز يوميا للوافدين المسجلين لديها، ويوجد / 13 / مركز إيواء تحت إشرافها تقدم الخدمات ل686 عائلة، ومن ضمنها المراكز التي ذكرها الهلال الأحمر، وتحدث مدير الشؤون عن وجود نقطة طبية بكل مركز إيواء مع سيارة إسعاف للمراكز الكبيرة، وفي الأماكن القريبة من المستوصفات يصبح المستوصف نقطة طبية وللوافدين معاملة خاصة، إضافة لتقديم الخدمات المجانية في مركز العيادات الشاملة، ويوجد في كل مركز مشرف، ويعتبر مسؤولاً عن تنظيم الحياة ضمن المركز والأشراف على توزيع المواد ومعرفة من الجهة التي تقدم المساعدة لتنظيم استمارة بذلك وتعتبر الشؤون مسؤولة عن سلامة الوافدين وصحتهم وسلامة غذائهم وحل المشاكل التي يعانون منها أو التي تنشأ بينهم، وتعتبر الشؤون أنه من حقها الاطلاع على كل البيانات وجداول التوزيع، ولا تجد مبرراً (حسب كلامهم) لعدم التجاوب من الهلال الأحمر حول ذلك، وأضافوا جهات أخرى تقدم معونات ( جمعية الإخاء السورية – مفتي الجمهورية – الاتحاد النسائي – شعبة المنطقة – الأمانة السورية للتنمية، جمعية الحاضرية في القدموس ....) ونقابة الصيادلة قدمت حليب أطفال، وقدمت الشؤون كمية كبيرة من الفرش والبطانيات عن طريق الدفاع المدني ( بالعهدة ) والعمل جار لفتح مراكز إيواء جديدة، ومؤخراً تم زيارة شاليهات المهندسين ضمن قطاع شاليهات النورس من قبل لجنة مشكلة من المحافظ، وبالوقت نفسه اطلعنا على دور مميز وموثق لدى الشؤون عن نشاط بعض رفاقنا في حزب الإرادة الشعبية لتقديم معونات ونشاطات في مجال الإغاثة وخاصة في منظمة بانياس والخطة جارية لتوسيع دائرة الخدمات والتواصل مع الوافدين وتعميم هذا النشاط على مستوى المحافظة.

 

تمايز طبقي

نتيجة لقدوم الوافدين على دفعات، فقد تم استيعاب الدفعات الأولى في أماكن مميزة كالشاليهات، وكلما ازداد العدد ضاقت الأماكن المناسبة للسكن السليم، إلى أن ضاقت السبل بإيجاد زاوية في ملجأ كمركز تجميع مؤقت، ونتيجة لتعدد الجهات المانحة وعدم تنظيمها، نالت المراكز الأقرب حصة الأسد، فعائلات زادت المعونات عن حاجتها وباعت قسماً منها، وعائلات بالكاد يكفي ما قدم لها، هناك مثلا وافدون / 28 / عائلة  قدموا من حمص في بداية الأحداث وسكنوا في شاليهات تابعة لإحدى الجمعيات الأهلية، ولهم تسعة شهور يعيشون كالمصطافين في منتجع على شاطئ البحر، ومعظمهم يملك سيارات وتبدو النعم والغنى على أسلوب حياتهم، وهناك من يتحدث عن امتلاك البعض منهم بيوت اصطياف في الكفارين ومؤجرة، وبالوقت نفسه عائلات تسكن في الملجأ أو مدرسة وتحتاج إلى مياه كافية ودورات مياه نظامية وتدفئة وغيرها من مستلزمات الحياة، يجب إعادة النظر في كيفية تقديم المعونات وتنظيمها،  ويجب على الجهات المعنية ألا تنسى إيجاد السبل للتواصل مع هذه العائلات وفتح نقاش وحوار والعمل على التوعية الوطنية وكيفية ارتباط المواطن بمؤسسات الدولة، وكيف تكون الدولة راعية لمواطنيها، ومسؤوليتهم في الحفاظ على أملاكهم وحيهم وبالتالي وطنهم.

خاتمة: من خلال مشاهداتنا ومتابعتنا لهذا الموضوع والقصد من الخوض فيه أن نصل إلى النتائج التالية:- التحضيرات المسبقة على الأرض لم تكن بمستوى ضخامة الحدث – ما قدم للوافدين كبير وليس بالقليل لكنه بحاجة لتنظيم أكثر وتحديد مركزية القرار– هناك فعاليات اقتصادية وشخصيات قدمت معونات كبيرة لكي نشجع هذه الظاهرة يجب إظهار ما يسمى بالقائمة البيضاء أو لوحة الشرف لمن يقدم لأبناء وطنه أكثر وله الأولوية في حالات الاستثمار – بالرغم من أنه لا توجد عائلة في طرطوس تقريبا إلا وعندها شهيد أو مصاب أو مخطوف أو مفقود الا انها تفانت في تقديم المساعدات واستوعبت الدرس الوطني وكانت على مستوى المسؤولية ولم تسجل حادثة واحدة بين الأهالي والوافدين – يجب الانتباه لملاحظتين: الأولى أن هناك عائلات كثيرة في طرطوس أشد فقرا وأكثر حاجة من قسم كبير من الوافدين وبحاجة للمساعدة، والثانية: العمل على إيصال مستحقات أسر الشهداء .