غياب خطط تسويق وتصدير زيت الزيتون السوري يهدر أهم المنتجات الزراعية
لم يعد التفاخر بوجود حوالي مئة مليون شجرة زيتون في سورية بالأمر المهم، لأن زارعيها، وفي عدد من المحافظات، وجدوا في الزيتون وأخشابه ما يقيهم من برد الشتاء، وباتوا يستسهلون قطع بعض ما يمتلكون، ولكن المعنيين لم يتساءلوا حتى الآن عن الأسباب الحقيقية وراء ذلك، فهل البرد وغياب توفر مادة المازوت هو وحده ما دفعهم لاستسهال قطع اشجار يزيد عمرها عن الخمسين عاماً؟! أم أن وراء الأكمة ما وراءها، خاصة وأن زيوت الزيتون تعيش حالة من الركود، وتراجعاً في الأسعار بحيث لا يتجاوز سعرها 2500 ليرة للتنكة (15 كغ) في المناطق المنتجة له، والناتجة عن ضعف الطلب بطبيعة الحال، دون أن يكون للجهات المكلفة بتسويق هذه المادة أدنى الخطط لتسويقها..
أسواق واعدة
جرت الكثير من اللقاءات والأحاديث في السابق عن تصدير زيت الزيتون السوري إلى فنزويلا، وعن إمكانية فتح أسواق دول أمريكا الجنوبية أمام منتج الزيت من خلال السوق الفنزويلية، إلا أن كل ذلك لم ينعكس ايجاباً على زيادة الطلب على الزيوت السورية التي تعاني من التكديس وسوء التخزين عبر السنوات الماضية، لأنه لم يجرِ عقد صفقات جدية. وبقي التصدير مقتصراً على كميات صغيرة لا تستوعب ضرورات تصدير الكميات الفائضة من زيت الزيتون السوري، كما أن الهند يمكن أن تكون على لائحة صادرات الزيت السوري، ويمكن أن يجري عقد صفقات في مجال تجارة زيت الزيتون معها، وكذلك هو حال الصين، التي يمكن الحديث عن مشروع تصدير الزيت إليها، وكل هذه الدول تستورد زيوتها من لبنان وغيرها من دول شرق المتوسط، وهذا يدفعنا للتساؤل عن أسباب تجاهل هذه الاسواق بعد؟! وما هو مبرر عدم السعي لعقد اتفاقات على مستوى الدول حتى ولو أوكلت مهام التصدير إلى القطاع الخاص كما يجري اليوم؟!
تصدير الزيت «دوغما»
قد يتحدث البعض عن تصدير جزء قليل من الزيت السوري، وهذا ما لا يمكن إنكاره، إلا أن هذا الجزء اليسير يتم تصديره على شكل «دوغما» مما يحرم الزيت الوطني من قيم مضافة قد تعزز موارد الاقتصاد بشكل أكبر، وتسهّل عملية تصديره إلى الدول المستهدفة، والجميع يذكر أن تركيا كانت تستورد زيت الزيتون السوري «دوغما» لتدخل عليه قيماً مضافة عبر التغليف والتعليب في عبوات صغيرة، ومن ثم تقوم هي بتصديره إلى دول أوروبية عدة بأضعاف سعر استيراده من سورية، وهذا يفتح الباب للحديث عن دور غياب صناعة محلية لتعبئة وتغليف الزيوت كمعيق لتصدير الزيت السوري، وتحت علامة سورية، فالاهتمام بالتعبئة والتغليف ما يزال في حدوده الدنيا، وهذا أثر على رواج المنتج السوري من زيت الزيتون رغم جودته العالية في أسواق العالم، وهذه العملية إذا ما تمت (تعبئة وتغليف) ستكسب زيت الزيتون المعلب هوية سورية في الأسواق الخارجية، والتجربة التونسية المتواضعة على هذا الصعيد، تشير إلى تصدر نحو %10 من زيوتها بعد التعبئة والتغليف، لتحقق بذلك قيماً مضافة على منتجها الوطني، يوازي ويقابل ما تصدره من زيوت على شكل «دوغما»..
بعهدة القطاع الخاص
القطاع الخاص يقود عملية تسويق وتصدير الزيت السوري، وهي مكمن مشكلة هذا القطاع، فالكثير من الاتفاقيات جرى إلغاؤها أو عدم تجديدها من جراء الممارسات غير الاخلاقية لبعض مصدري الزيت، والمبنية على عقلية الصفقة الواحدة، التي سيحقق من خلالها هؤلاء التجار مكاسب آنية دون النظر إلى هذه الاسواق من منظور استراتيجي، حيث إن العديد من نقابات وأصحاب المعاصر في الأردن أو سواها من الدول حذروا من زيت الزيتون السوري المغشوش والمهرب، والذي دخل إلى هذه الاسواق بعهدة القطاع الخاص، بالإضافة إلى أن تكليف الخاص بهذه المهمة، يعني وبشكل واضح غياب استراتيجية تصدير هذا المنتج، والذي سيصدر وفق «التوفيقات» والمصادفة، وهذه العملية والعقلية لا تعكس اهتماماً حقيقياً بالزيوت يتناسب مع الشريحة الواسعة من القوى العاملة بهذا القطاع في سورية، ولا بدوره الفاعل في الميزان التجاري وترتيب الصادرات، وانعكاس كل ذلك على الاقتصاد الوطني..
وإذا ما تحجج البعض بنوعية المنتج السوري من الزيوت، والذي يشكل عائقاً في وجه تصديره، فإن الدولة باستطاعتها بدعم الإنتاج أن توصل الزيت السوري إلى المواصفات القياسية العالمية التي يبتعد عنها حالياً.