زهير مشعان زهير مشعان

اللاجئون والمهجرون

لا شكّ أنّ معاناة اللاجئين والمهجرين كبيرة، وهي لا تقلّ عن معاناة المعتقلين وأسرهم، ومأساة ذوي الشهداء، وكلها من نتائج الأزمة الوطنية التي شهدها وطننا الحبيب سورية، ويُعاني منها الشعب السوري العظيم الذي لا يستحقما يتعرض له من قوى القمع والفساد أو قوى العنف والظلام وعلى ضوء حلّ هذه الملفات يمكن الدخول في الحوار والحل السياسي والتغيير الجذري والشامل..وسبق أن تناولنا ملف المعتقلين، وسنتناول ملف اللاجئين والمهجرينلبيان مواقفهم ومدى معاناتهم..وأنّ حل هذا الملف هو جزء هام من حلّ الأزمة..

 

منذ انطلاق الحركة الشعبية العفوية والسلمية لأسبابٍ موضوعية اقتصادية اجتماعية وسياسية..وتعرضها للعنف الشديد من قوى القمع وشبّيحة الفساد، ودفع قسماً منها للعمل المسلح والعنف  وخاصّةً بغياب الحياة السياسية والقوىالسياسية القادرة على قيادة الحراك وتوعيته وتطويره إلى حراكٍ ثوري منظم وذلك نتيجة التهميش المتراكم والمتعمد منذ عقودٍوهذا ما سمح بالتدخل الخارجي وفق مخططٍ مرسومٍ مالياً وإعلامياً وبالسلاح، وكذلك بتوغل القوىالظلامية المرتبطة بها، وتغلغل قوى سياسية متطرفة مدعومةٍ منها، وعصابات النهب والسرقة، مما أدّى إلى تفاقم الأمور ورفع وتيرةِ العنف إلى حدوده القصوى، والدخول في أزمةٍ وطنيةٍ شاملةٍ وعميقةٍ وذلك بالغرق في أوهامالحسم الأمني ومن ثمّة العسكري، وكذلك أوهام رفض الحوار والإسقاط بالعمل المسلح..هذه الأوهام التي رفضت الحل السياسي للأزمة وهددت أمن الوطن والمجتمع..بل حتى وجودهما من خلال العمل على تفتيتهما، والطرفانيعملان ضِدّ مصلحة الشعب والوطن.

ويوماً عن يومٍ.. بل وساعةٍ عن ساعةٍ يزداد نزيف الدم السوري الطاهر، وتزداد أعداد اللاجئين وتحولت من عمليات نزوحٍ فردية ومحدودة، إلى نزوحٍ جماعي من مناطق التوتر.. عائلاتٌ بكاملها.. شوارع وأحياء بكاملها..بلداتوقرى بكاملها..مناطق ومدن بكاملها، نتيجة وقوعهم بين مطرقةِ القمع وسندان العنف، والكثيرون أرغموا على المغادرةِ بالقوّة.. وصار مئات الآلاف من المواطنين لاجئين في دول الجوار أي حوالي600 ألف والملايين منهممهجرين في مناطق ومدن أخرى حوالي 5 ملايين، وقسم كبير منهم هُجّر مرتين وثلاث وأكثر وصار يتنقل من مكانٍ لآخر، كتغريبة بني هلال.. أمّا من بقي ولم يغادر بيته أو حيّه أو بلدته وقريته ومدينته إنما بقي لعدم قدرته الماديةأو لعدم وجود مكانٍ يلجأ إليه وهؤلاء من أكثر الناس المسحوقين فقراً لذلك اعتبروا أنفسهم ميتين مسبقاً لذلك كان عدد الشهداء منهم نساءً ورجالاً وأطفالاً كبيراً جداً..

ويحاول أعداء الشعب والوطن في الخارج والداخل، سواء ممن يدّعون أنهم معارضة أو ممن يدعمهم ويؤيدهم، يحاولون تصوير اللاجئين والمهجرين بأنهم لجؤوا وهاجروا لأنهم مؤيدون لهم ومعارضون للنظام ويحملونهالمسؤولية كلّها، ويتباكون بدموعٍ كدموعِ التماسيح على معاناتهم القاسية ويشحذون عليهم المساعدات والأموال ويسرقون منها.. وكذلك يدفعون من بقي للجوء إلى الخارج وإيهامهم بجنةِ اللجوء.. بينما الوقائع تبين حجم المعاناةوالبؤس الذي يعيشون فيه وحرمانهم من أبسط الحاجات وما يحصلون عليه مغموس بالغربة والمذلة، بالإضافة لمنع عودتهم إلى الوطن وهم يعاملون كمعتقلين في الملاجئ مما دفعهم للتظاهر والاحتجاج والاعتصام فيها، كما حدثفي مخيم الزعتري في الأردن فقمعوا بقسوةٍ وقد عبرت عن ذلك إحدى اللاجئات عندما قالتإنهم يعيشون كما الحيوانات عيشة الكلاب في الأردن وفي تركيا(بالجولوفي العراق في الصحراء،كما تظاهر آخرون في أحدالمخيمات في تركيا نتيجة الجوع والبرد حيث هتفوا:

بين الجبهة والإخوان بدنا نسقط أردوغان.. وقد عاد قسم منهم مفضلاً الموت في بلده بدل أن يموت غريباً..

وكذلك تحاول القوى المتشددة في النظام، تبرئة نفسها وتحميل المسؤولية فقط، لحملة السلاح وقوى العنف وتدّعي أنهم يريدون تخليص الشعب من العصابات الإرهابية فتقصفهم بشتى الأسلحة الثقيلة، مما يدفعهم للجوء إلى الهجرةالداخلية، ودون أن تقدم لهم من الجمل أذنه من حاجاتهم اليومية من مساعدات الغذاء والدواء والمأوى، ومن خسائرهم المادية من منازل وأثاث التي هي جهد وكفاح وشقاء عشرات السنوات، بل أحياناً هم عرضةً للاتهام والاعتقالعلى الحواجز باعتبارهم جزءاً من مناطق التوتر ومسببيهااستناداً إلى الاسم والكنية، أو مكان السكن والولادة.

أمّا الحقيقة التي يتعمد الطرفان تجاهلها، هي أنّ اللاجئين والمهجرين ومعهم غالبية الشعب الذي احتضنهم، باتوا يدركون أنّ الطرفين هما المسؤولان عمّا حدث وعن استمرار الأزمة وتعميقها وعن معاناتهم ويرفضون الطرفينويريدون الخلاص منهما ومن معاناتهم..هم لا يريدون قوى القمع أو قوى العنف، وإلاّ لكانوا بقوا في مدنهم وبلداتهم وأحيائهم، وضحوا بحياتهم من أجلهما، إنما يريدون حلّاً يُخلصهم من مأساتهم، وتغييراً جذرياً وشاملاً يحققالديمقراطية والعدالة ويُنهي معاناتهم ويعيدهم إلى ديارهم المدمرة والمخربة حتى ولو بنوا خيمةً بجوارها.. يريدون عودة الحراك السلمي لتحقيق مطالبهم وأن يعيشوا حياةً تحقق كرامة الوطن والمواطن التي هي فوق كلّ اعتبارٍ..

لا شكّ أنّ استمرار الأزمة سيزيد عدد اللاجئين والمهجرين، وسيزيد معاناتهم وأنّ حلّ ملفهم سيكون مدخلاً للمساهمة بِحل الأزمة، ولن يكون إلاّ سلمياً وسياسياً وعبر الحوار الديمقراطي وذلك بإيقاف العنف المتبادل وقد أثبتت الأياموالوقائع على الأرض أنّ الحل الأمني-العسكري، والعنف وحمل السلاح فاقما الأزمة بدل حلّها..