في دمشق وريفها.. شح وتقنين وشكوك بتورط «حكوميين» ببيع المياه
بدأت أصوات محركات ضخ المياه الكهربائية تصدح من غير العادة في دمشق، لتأمين المياه الصالحة للشرب وإيصالها إلى الطوابق العلوية بعد ما أصابها من ضعف شديد وغير مسبوق، عدا عن انقطاعها بشكل غير منتظم ودون ساعات تقنين واضحة.
في أزقة دمشق القديمة، عمد بعض الشبان إلى إيصال المياه لمنازلهم وملء خزاناتهم بالمكاييل، بعد أن عجزت المياه عن الوصول إلى منازلهم، ومنهم من قام بتركيب مكنات كهربائية لضخ المياه، وفي أحياء أخرى من دمشق لم تصل المياه إليها منذ حوالي الأسبوع، ومناطق أخرى لا ترى المياه إلا ساعة أو ساعتين في اليوم، بينما تنعم بعض المناطق بها 24 ساعة يومياً.
بيع مياه الصرف الصحي!
مشكلة المياه بهذا الشكل، لم تشهدها دمشق في الماضي القريب، ولم تشهدها منذ بداية الأزمة التي تعصف بالبلاد للسنة الرابعة، بينما عانت مناطق في ريف دمشق من شح المياه منذ لا يقل عن عام ونصف، ولا تزال معاناتهم مستمرة وفي ازدياد، بظل تلوث بعض الصهاريج التي اعتمدوا عليها للشرب بعد انقطاع مياه المؤسسة العامة لأسابيع بعض الأحيان.
مؤسسة مياه الشرب والصرف الصحي في دمشق وريفها، لم تنكر خطورة هذه الصهاريج غير المرخصة والممنوعة أصلاً، وأكدت في تصريحات لإذاعة «ميلودي اف ام»، ضبط صهاريج عبأت مياهها من آبار ملوثة بالصرف الصحي في منطقة صحنايا بريف دمشق.
ترخيص الصهاريج
وأكدت المؤسسة على لسان مديرها حسام الدين حريدين وجود دراسة لنظام استثمار جديد، يتيح ترخيص صهاريج مختومة بالشمع الأحمر من مؤسسة المياه ومعبأة من مصادر سليمة، بحيث يقوم المواطن بطلب حاجته من المياه عن طريق المؤسسة التي ترسل الصهريج إليه وسيكون السعر بحسب المدير، ليس أكثر من 50 ليرة، بينما حالياً وصل سعر البرميل إلى 800 و1000 ليرة سورية بدمشق وريفها.
«الاستهلاك الكبير أدى إلى ضعف ضخ المياه في مناطق على حساب مناطق أخرى» بحسب حريدن، وهو ما اشتكى منه كثيرون من سكان دمشق دون معرفة السبب، وهنا اضطر البعض لتركيب محركات كهربائية لرفع المياه، ما حذرت منه المؤسسة لما يزيده من أعباء على الشبكة.
ظاهرة «موتور الحرامي»
«موتور الحرامي» هو نوع من محركات سحب المياه، انتشر مؤخراً بدمشق لزيادة قوتها، لكن المؤسسة حذرت من استخدامه وأكدت أنه «ممنوع» لما يقوم به من إضعاف لضخ المياه إلى باقي المشتركين، مشيرةً إلى وجود حملة لمصادرتها.
تلوث المياه، لم يحصر فقط بصهاريج الريف، فقد اشتكى بعض سكان دمشق وخاصة في الأحياء القديمة منها، من وصول مياه شائبة إلى منازلهم، ما عزته المؤسسة إلى «موتور الحرامي» الذي يسحب الأوساخ ويرميها داخل أنابيب المياه.
في خبر كان
مياه ريف دمشق، والتي أكد سكانها أنها غير صالحة للشرب مراراً نتيجة تكلسها وتعكرها، كانت صالحة للشرب 100%، بالنسبة لحريدين، الذي أكد أن الكلس الموجود في هذه المياه مفيد لجسم الإنسان، رغم أن هذه المياه وبحسب بعض المواطنين كانت سبباً لأمراض حصى الكلية.
وبعيداً عن تلوث المياه وعكارتها، مازال الخلل الذي أصاب شبكة المياه مجهولاً بالنسبة للكثير من المواطنين، ورغم ذلك لم يوضح حريدين بحديثه السبب بحد عينه، مكتفياً بالقول إنه «خلل تقني ناجم عن اعتداء تخريبي» أدى لضياع مليون متر مكعب من المياه في نهر بردى دون فائدة، إضافة إلى «شح الأمطار العام الحالي، وتقنين الكهرباء، وهدر المؤسسات الحكومية».
مليونا متر مكعب لدوائر الدولة!
ونفى أن يكون هناك تأثير لإيقاف تركيا ضخ مياه الفرات إلى سورية، لكنه نوّه إلى ظاهرة الهدر غير المبررة للمياه لدى بعض الجهات الرسمية قائلاً «الدوائر الحكومية تستهلك كميات ضخمة من مياه الشرب حوالي مليوني متر مكعب، وشكلت لجنة خاصة للتحقيق بهذا الموضوع على أعلى مستوى».
وتابع «هناك مؤسسة حكومية (لم يسمها)، يجب أن يكون استهلاكها 300 متر مكعب وهي الآن تستهلك 1000 متر مكعب، وممكن أن يكون السبب متاجرة بعض ضعاف النفوس بها وبيعها للصهاريج».
وكمية الـ1000 متر مكعب تعتبر ضخمة جداً لمؤسسة واحدة، عندما تتم المقارنة مع 5700 متر مكعب فقط تغذي مدينة جرمانا بكثافتها السكانية حالياً على سبيل المثال.
دمشق تحتاج يومياً وعلى مدار 24 ساعة، حوالي 760 ألف متر مكعب من المياه، وحالياً يصلها بعد التقنين الحاصل مابين 480 ألف متر مكعب و530 ألف متر مكعب وذلك حسب درجة حرارة الجو، بحسب مؤسسة المياه، التي أضافت أن الاستهلاك اليومي من المياه بريف دمشق الآمن 330 ألف متر مكعب، بينما الحاجة هي 600 ألف متر مكعب على مدار اليوم.
تبريرات ووعود
وبحسب مدير مؤسسة المياه، فإن «مشكلة خطوط المياه الرئيسية بدمشق أوقفت المياه ليومين ونصف ما شكل صدمة بالنسبة للمواطنين، وحالياً تمت السيطرة على 75% من العطل، وخلال اليومين القادمين ستتم السيطرة على الـ25% الباقية، وسيسمع المواطنون خلال الأسابيع القادمة أخباراً جيدة».
وعن أزمة المياه في جرمانا بريف دمشق، أوضح حريدين أنه «تم تزويد الآبار بمولدات ديزل مع إدخال 5 آبار جديدة للخدمة، وخلال أيام سيكون هناك 4000 متر مكعب إضافية إلى الكمية اليومية الحالية وهي 5700 متر مكعب، وستكون المياه متوفرة كل يومين والثالث».
وأردف إن «أنبوب ضخ المياه إلى جرمانا يعتبر ضيقاً ويحتاج إلى معالجة، وهو ما يسبب ضعف المياه هناك، وتتم حالياً معالجتها».
وأشار إلى تحسن بوضع المياه في صحنايا بريف دمشق منذ أيام، وأنه هناك مشروع لإعادة تأهيل شبكة صحنايا بقيمة 80 مليون ليرة سورية، رغم أن أهالي المنطقة يؤكدون إلى اليوم أن وضع المياه لديهم تحسن لكن مازال «مأساوياً»، فقد كانت المياه لا تأتي لأسابيع، واليوم تأتي لساعات محدودة في يوم واحد فقط بالأسبوع.
وتضخ المؤسسة حالياً، المياه عبر مولدات تعمل على الديزل والمازوت لكنها لا تنتج الكمية المطلوبة التي تعطيها الكهرباء والتي تؤثر حالياً على عملية الضخ نتيجة التقنين، وبحسب تبريرات المؤسسة، فإن تعطل المولدات وعدم وجود قطع غيار كان عائقاً آخر أمام تأمين كمية المياه المطلوبة، مشيرةً إلى وجود عدد من المولدات معطلة حالياً.
جداول التقنين!
بدأت البلبلة تسود شوارع دمشق، مع بداية شهر رمضان، إثر تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية بأن مدير مؤسسة المياه وعد بتأمين المياه مدة 24 ساعة خلال هذا الشهر، ما لاحظ المواطنون عكسه مع أول يوم من رمضان.
إلا أن مدير عام المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي بدمشق وريفها، حسام الدين حريدين نفى هذه التصريحات من أساسها، قائلاً «لقد تمت محاسبة الصحفي الذي نشر هذه التصريحات المغلوطة، والتي أدت إلى إثارة البلبلة بين المواطنين»، مشيراً إلى عدم وجود استطاعة حالياً لتأمين المياه 24 ساعة.
لكن قريباً، وبحسب وعود حريدين، سيتم إصدار جداول تقنين واضحة للمياه بريف دمشق، وستؤمن المياه بدمشق من الـ 5 صباحاً وحتى الـ11 ظهراً أو للواحدة ظهراً، بعد إصلاح العطل الحالي.