في ظل الأزمة.. السوريون وموائد رمضان «الخاوية»..
يحاول شهر «رمضان» المرور بهدوء كي لا يثقل كاهل السوريين بهموم جديدة، فشهر «اللمة» الحلوة والتعاون والشعور بالآخرين أصبح شهراً يحمل الكثير من الذكريات التي علقت بأذهان السوريين الذين باتوا لا يؤمنون بعودة تلك الأيام في القريب المنظور، حيث تفرقت العائلات بعد أن تهدمت البيوت التي كانت تؤويهم، وبات الجوع صفة لصيقة بعدد كبير من السوريين.
قول «أبو ثائر»، وهو صاحب سوبر ماركت، «لم نشهد حركة بيع وشراء كما جرت العادة قبل الأزمة، فنحن نملك محلاً للبيع بالجملة والمفرق، وحركة الشراء التي كانت تجري عادة مع بداية كل شهر رمضان تراجعت هذا العام إلى أقل من النصف وذلك بسبب الأوضاع المالية الصعبة التي يعيشها السوريون بشكل عام».
تراجع في الإقبال والمبيعات
وتابع حديثه قائلاً «كان البعض يعول على زيادة جديدة للرواتب والأجور أو منحة مالية مع بداية شهر رمضان، لكن أي من ذلك لم يحدث، لذلك لم يكن هناك إقبال على شراء المواد التموينية كما كان متوقعاً. حيث اكتفى عدد كبير من الزبائن بشراء التمور والزيوت وبعض أصناف الأرز ولكن بكميات عادية».
في حين يبحث «أبو مازن» بين رفوف الـ«سوبر ماركت» عن المواد الغذائية التي يريد شراءها، ويقول «أنا لم أتبضع كما العادة للشهر الكريم، وذلك بسبب ارتفاع الأسعار الذي طال عدداً كبيراً من السلع».
وأضاف «كنا فيما مضى نجد سلعاً تباع خصيصاً لشهر رمضان، حيث كانت تعرض المنشآت منتجاتها بأسعار مخفضة مع عروض خاصة على تلك السلع, لكننا اليوم نلاحظ اختفاء عدد كبير من السلع التي كان لها جودة جيدة وأسعار مقبولة من رفوف المحال».
النزوح وغياب البهجة
وتابع أبو ثائر «فيما سبق كنا نقيم عزائم في رمضان لكن للأسف عدد كبير منا تهجّر وفقد منزله وفقد أحبة له لذلك لم يعد رمضان يحمل ذات البهجة التي كان يتمتع بها فيما قبل».
وتحدثت «أم مهند» عن مدى معاناة عائلتها من نزوح وتشتت وظروف معيشية صعبة قائلة «لم أشتر مواد خاصة لرمضان كما كنت أفعل قبل الأزمة، لأن شهر رمضان تغيّر علينا بعد عامين من النزوح. حيث تدمر منزلنا وهاجر أبنائي الثلاثة مع عائلاتهم ولم يبق لنا في سورية سوى عدد قليل من الأقارب الذين يعانون ظروف معيشية صعبة.
وتتابع «في أول يوم من أيام رمضان اجتمعنا مع الجيران على مائدة طعام واحدة لكن الدموع منعتنا من تناول طعامنا».
«لمة عائلية» افتراضية
يلاحظ المتتبع لصفحات «التواصل الاجتماعي» أن السوريين ومع بداية شهر رمضان بدأوا يتداولون فيما بينهم صوراً للموائد التي يقيمونها أينما كانوا في هدف لإيجاد «لمة» عائلية وإن كانت افتراضية.
يقول «هيثم»، المقيم في لبنان مع شقيقته وعائلتها، «تطالبني والدتي أن اهتم بطعامي بشكل جيد وهي تحدثني بشكل يومي، لذلك قررت شقيقتي أن تحضر مائدة الطعام في كل يوم وتقوم بتصويرها وإرسالها إلى والدتي كي تطمئن علينا».
أما «أم سعيد» فإنها تحضر طعام الإفطار وتقوم بتصويره، وترسل الصور إلى أبنائها الذين سافروا خارج البلد. وتقول «فرقتنا ظروف الأزمة وحرمتنا من الاجتماع في مكان واحد وعلى مائدة واحدة. وكان أبنائي يجتمعون مع عائلاتهم في بيتنا في أول أيام رمضان, لذلك قررت أن أطبخ الطعام وأشارك صوره مع أبنائي على مواقع التواصل الاجتماعي علّنا نحس بشيء من الألفة التي كانت موجودة أيام زمان».
حركة لا بأس بها!
يشهد عدد من المطاعم الواقعة داخل العاصمة السورية حركة جيدة في ساعات الإفطار. وفي هذا السياق يقول «رامز»، وهو مدير صالة في أحد مطاعم دمشق القديمة، «تحسّن الأوضاع الأمنية في مدينة دمشق انعكس إيجاباً على حركة الناس وإقبالهم على المطاعم», وأضاف «صحيح أن هذا الإقبال لازال إقبالاً خجولاً لكنه أفضل من الأيام التي كانت قبل شهر رمضان».
وعن الأسعار قال رامز «هناك عروض كثيرة في شهر رمضان مما يسمح بوجود أسعار مقبولة على وجبات الإفطار والسحور». متابعاً «أن الطلبات التي ترد إلى المطاعم هي لتأمين وجبات خارجية أكثر منها إقبال على التواجد في المطعم».
التقصير والتقاعس
تمتلئ صفحات الجرائد الرسمية وغير الرسمية بعدد الضبوط التموينية التي تحررها لجان التموين في مختلف المحافظات السورية, لكن عدداً كبيراً من المواطنين يجدون أن الجهات المختصة مازالت مقصرة ومتقاعسة في موضوع ضبط الأسعار، التي مازالت تشهد تفاوتاً كبيراً بين منطقة وثانية، خاصة وأن عدد الأفراد العاملين في هذا المجال قليل جداً نسبة إلى عدد الأسواق المنتشرة في المحافظات السورية.
«سكبة» رمضان
اعتاد السوريون في شهر رمضان منذ زمان بعيد على وجود طقوس خاصة فيما بينهم حيث جرت العادة أن يتبادل الجيران في شهر رمضان الطعام فيما بينهم «سكبة رمضان»، لكن الظروف الحالية قللت من هذا الطقس الخاص بشهر رمضان.
وعن هذا تقول أم علي «كنا فيما مضى لا نأكل من الطعام الذي نطهوه بقدر ما نأكل من سكبة الجيران، لكن الأوضاع المالية الصعبة وتفرق الأهل والجيران جعل هذه الظاهرة تتراجع, لكن الخير مازال موجوداً في أهل الشام».
في حين تقول «أم زياد»، وهي أرملة لديها أربعة أطفال فقدت زوجها في الحرب الدائرة في البلاد، «منذ أول يوم في رمضان ونحن نتلقى من الجوار أطباق من الطعام, حيث لم نحس بأننا أغراب», وأضافت «رغم الأوضاع الصعبة التي نعيشها فإن الخير مازال موجوداً بين الناس».
مبادرات شعبية
وتحدث «أبو خالد» عن معاناته في ظل ظروف الأزمة وتداعياتها قائلاً «اعتدنا أن نقوم في كل رمضان بتوزيع حصص غذائية للمحتاجين، لكننا للأسف منذ رمضان الماضي لم نتمكن من إخراج أية حصة غذائية وذلك بسب صعوبة التنقل بين الأحياء والمناطق وكذلك هناك تشديدات أمنية واعتبارات أخرى منعتنا من القيام بمثل هذا النشاط».
على الجانب الآخر نشط عدد كبير من الشباب المتطوع في رمضان هذا العام من أجل تأمين أكبر كمية من وجبات الإفطار للسوريين الصائمين، بمبادرات عدة عبر جمع التبرعات العينية والطبخ وتوزيع وجبات الإفطار وتوزيعها على الأسر الفقيرة والأكثر احتياجاً في أكثر من 18 حياً من أحياء دمشق ومحيطها.
الدور الحكومي الغائب
غياب الدور الحكومي الفعّال على أرض الواقع دفع السوريين للتعاضد فيما بينهم من أجل تأمين لقمة «الإفطار» إلى أكبر عدد من المحتاجين في بلاد اعتاد أهلها على إغاثة الملهوف وإطعام المحتاج والفقير, على أمل أن تعود أيام رمضان حيث كانت النفوس والقلوب نقية ويعود الخير الذي كان يظلل بلاد الشام وأهلها.
ولسان حال كل من التقتهم «قاسيون» هو الرغبة في استعادة الحياة الطبيعية، ولكن الأزمة الراهنة التي تمر فيها البلاد بتداعياتها الكارثية «النزوح والتهجير والدمار وفقدان الأحبة والممتلكات والصراع المسلح الدامي والظروف المعيشية الصعبة وارتفاع الأسعار والبطالة...الخ» غيّرت الكثير من الطقوس والعادات الاجتماعية التي يعيشها الشعب السوري بما فيها طقس شهر رمضان لهذا العام، وأثرت فيها بشكل سلبي، فغابت البهجة والفرح و«اللمة» الاجتماعية عن أغلب العائلات السورية.