مطار العاصمة الدولي على طريق الخصخصة.. شراكة بين قطاعين.. أم مخالفة للدستور برعاية دولية؟
تم التوقيع مؤخراً على اتفاقية خدمات استشارة مالية بين «سلطة الطيران المدني السورية» و«مؤسسة التمويل الدولية»، وتدور بنود الاتفاقية حسبما أفادت مصادر مطلعة حول توسيع البنية الأساسية العامة لمطار دمشق الدولي وتحسينها من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والعمل على توسيع المطار نفسه وتشغيله بفعالية عبر إشراك القطاع الخاص لكونه أحد مكونات برنامج الحكومة للشراكة بين القطاعين.
ويأتي ذلك حسب المصادر استجابةً لنيّة الحكومة الشروع في برنامج ضخم لزيادة قدرة صالة الركاب في المطار وتحسين إدارة وعمليات الخدمات الجوية والأرضية (المحصورة أصلاً بمؤسسة الطيران العربية السورية بموجب مرسوم خاص) وذلك عن طريق برنامج «إنشاء وتشغيل وإعادة الملكية»، أو غير ذلك من أنظمة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، لكون «سلطة الطيران المدني» ترغب في مشاركة القطاع الخاص لتحقيق هذه الأغراض عبر ما سمي بـ«مشروع مطار دمشق الدولي».
ووفقاً للمعلومات الواردة عن الاتفاقية، فبما «أن مؤسسة التمويل الدولية (التي تضم سورية في عضويتها) تتمتع بخبرة مثبتة في مجالات مشاركة القطاع الخاص في الخدمات العامة في مختلف القطاعات بما فيها الطيران والنقل»، وبما «أن العميل (سلطة الطيران) بموجب هذه الاتفاقية يعين مؤسسة التمويل الدولية كمستشار رئيسي حصري للمساعدة في المراحل المختلفة لمراجعة وهيكلة وتنفيذ المشروع وفقاً لبنود وأحكام هذه الاتفاقية، وأن مؤسسة التمويل الدولية تقبل بهذا التكليف في كل حالة وفقاً لبنود وأحكام هذه الاتفاقية»، فقد اتفق الفريقان على عدد من النقاط المتعلقة بالخدمات وبرنامج العمل والجدول الزمني وبتحديد ممثلي الفريقين والإشعارت والأتعاب وبآلية تسديد تكاليف العملية وقيمة العقد والدفعات وشروط إنهاء الاتفاقية وتسوية النزاعات، وبنود أخرى موزعة على أربعة ملاحق.
عدم انسجام واضح
أفاد خبراء قانونيون بعدد من الملاحظات التي تؤكد عدم انسجام بنود الاتفاقية مع نظام العقود الموحد الصادر بالقانون 51 لعام 2004، وعدم انسجام الاتفاقية مع القانون رقم 2 لعام 2005 والخاص بالمؤسسات العامة، وكذلك عدم انسجامها مع دستور الجمهورية العربية السورية، ناهيك عن عدم وجود بيئة تشريعية في سورية ناظمة لعقود الاستثمار المشابهة للأنواع المطروحة في الاتفاقية.
ونبه الخبراء إلى ضرورة التركيز على الجانب الأمني في حال اللجوء إلى طريقة التعاقد لإدارة وتشغيل مطار دمشق الدولي، إذ جاء في الاتفاقية أن «العميل (سلطة الطيران المدني السورية) يرغب بزيادة قدرة المحطة الحالية (صالة الركاب في مطار دمشق) وتحسين إدارة وعمليات الخدمات الجوية والأرضية عن طريق أحد عقود الاستثمار المنصوص عليها في الاتفاقية»، وهذا رغم أن التجارب السابقة والحالية أثبتت بشكل لا لبس فيه، عدم جدوى إعادة تأهيل المحطة الحالية نظراً لضيقها وقدمها وباعتبارها قد استهلكت فنياً بجميع مكوناتها، ونظراً لأن قيام القطاع الخاص بإدارة العمليات الجوية يتضمن الكثير من الخطورة والمحاذير فلابد من الوقوف مطولاً عند هذا الموضوع لكونه يتعلق بسلامة الأجواء والطيران وسيادة الدولة، وما قد ينتج عن ذلك من تمكين المستثمر المحتمل من السيطرة على جميع التجهيزات سواء الأمنية أو الفنية وبالتالي التحكم بإدارة الأجواء والمسافرين في المطارات ووضع كافة المعلومات والبيانات بين يديه، والتي تعتبر سرية بطبيعتها ولا يسمح بالإطلاع عليها إلا من الجهات المختصة لتعلقها بأن وسلامة الدولة، مع الإشارة إلى أن الاستثمار عادةً ما يتم من خلال شركات مندمجة فيما بينها، ولها شخصيتها الاعتبارية أو من شركات مساهمة، وبالتالي فإن التعاقد مع أحدى هذه الشركات بالصفة الاعتبارية لإدارة وتشغيل هذا المرفق العام (المطار) يدفع إلى الاستفسار حول سياسات وتوجيهات هذه الشركات بالمقارنة بالوضع السياسي الراهن في سورية، والذي لا يمكن مقارنته بالوضع السياسي للدول المجاورة ومن ثم الاستئناس بذلك في طريقة الاستثمار، علماً أنه من النادر أن تقوم دولة من الدول بطرح إدارة وتشغيل المطارات الرئيسية بطريقة الاستثمار وإنما يقتصر الاستثمار على بعض الخدمات فيه فقط، وتبقى الإدارة والتشغيل بيد الدولة.
قصور القوانين
وفي مواضع أخرى من الاتفاقية لاحظت المصادر أن صياغة بنودها تمت على فرضية أنه لا يوجد أية عوائق قانونية أو إدارية جوهرية في الهيكل الإداري أو القانوني لسورية، وأنها نصت صراحةً على استثناء تطبيق القوانين والأنظمة السورية على هذه الاتفاقية دون تحديد القانون الواجب تطبيقه أو الذي تخضع له، وهذان الأمران لهما أهمية كبيرة لما يخلفاه من انعكاسات مختلفة على الجهة العامة، خاصةً وأنه لا يوجد في سورية بيئة تشريعية ناظمة لإبرام عقود مع القطاع الخاص لجهة الإدارة أو التشغيل أو الاستثمار.. وغيره من الأشكال المذكورة في الاتفاقية، وإنما على العكس من ذلك فإن القوانين المحلية وعلى رأسها دستور الجمهورية العربية السورية تمنع اللجوء إلى التفويض بالتصرف في إدارة أو تشغيل المرافق العامة المحصورة بالمؤسسات العامة، وبالتالي تعتبر عقود التفويض- ومنها الاتفاقية موضوع النقاش- مخالفة للنظام العام، ناهيك عن أن استثناء الاتفاقية من الخضوع للقوانين السورية مع غياب أي قانون ناظم لعقود الاستثمار بالأشكال المطروحة في الاتفاقية، يشكل خطراً كبيراً لاحتمال ضياع حقوق المرفق العام الذي سيصبح تحت وطأة العقود المسماة قانوناً بـ«العقود الطليقة أو الحرة»، وهي تلك التي تمكّن المستثمر من تأمين مصالحه على حساب مالك المرفق العام، وذلك باختيار القانون الواجب تطبيقه على هذا العقد مع ترك الحرية للقاضي في ظل هذه العقود لاخيتار القانون الذي يراه واجباً للتطبيق، وهو ما يقتضي أصلاً وجود بيئة تشريعية واضحة تنظم مثل هذه العلاقات التعاقدية وتضمن حقوق الجهات العامة بالمرفق العام، ولا ننسى أن الحديث هنا عن مطار دولي ذي خصوصية تميزه عن غيره من المرافق.
وصحيح أن البنود جميعها وردت تحت عنوان «اتفاقية» ولكن بالقراءة يتبين أن ما تتضمنه من بنود قد تمت صياغته في شكل مواد عقدية، وتم ذلك دون تحديد المرجعية اللازمة لقبولها أو رفضها أو تصديقها، وهو الأمر الذي يختلف باختلاف التوصيف القانوني للاتفاقية باعتبار أنها من حيث المبدأ تحتاج إلى نص تشريعي للموافقة عليها، سواء من السلطة التشريعية أو التنفيذية، وذلك لكون الطرفين من أشخاص القانون الدولي.
اتفاقية دون مبررات
كما أشارت الاتفاقية، طبقاً لما ذكره الخبراء، إلى أن إنشاءها جاء على اعتبار سلطة الطيران المدني متعثرةً فنياً ومالياً في إدارة وتشغيل المطار، في حين لا توجد إمكانية تمويل لدى الحكومة لدعم هذا المرفق، وبالتالي فإن مؤسسة التمويل الدولية تسعى لإبرام صفقة تجارية مع المستثمر المحتمل لإدارة وتشغيل أو استثمار المطار أو إنشاء مطارات جديدة، ولكن يجدر الانتباه إلى أن استناد الاتفاقية على هذا المبدأ لا ينطبق على الطيران المدني باعتبار أن له مساهمة فعالةً في إيرادات موازنة الدولة تصل حدود سبعة مليارات ليرة سورية سنوياً، وبالتالي فإن الطيران المدني لا يعدّ متعثراً مالياً أو فنياً فيما لو تمكن من إدارة وتوظيف إيراداته الناتجة عن نشاطه الخدمي لتطوير البنى التحتية للمطارات السورية وتأهيل الكوادر البشرية التخصصية.
كما أن الاستناد إلى هذه الفرضية يظهر المستشار (مؤسسة التمويل الدولية) وكأنه يقوم بإنقاذ المرفق العام من الانهيار وهو ما سيؤدي إلى عدم الأخذ بمتطلبات العميل بعين الاعتبار حين دراسة الواقع الراهن للمرفق، وهذا ما يؤكده ما ذكر بالاتفاقية من أن الغاية الأساسية للاتفاقية هي قيام المستشار الدولي بتهيئة جميع الظروف المناسبة في موقع المشروع لتمكين وقبول المستثمر المحتمل من إدارة وتشغيل المرفق العام المتعثر.
التباس خطير
وأوضحت المصادر أن الاتفاقية تلزم الطرف العميل (سلطة الطيران المدني) بالموافقة على أن تنفيذه ونقله وأداءه لهذه الاتفاقية يعتبر أعمالاً خاصةً أو تجارية لا أعمالاً عامةً أو حكومية، وعلى أن هذه الاتفاقية تعقد كجزء من عملية تجارية، ويظهر من فحوى هذا الكلام أن الاتفاقية تمثل صفقةً مع المستثمر المحتمل، وأن مؤسسة التمويل الدولية باعتبارها المستشار الرئيسي والحصري تمثل وسيطاً بين القطاع الخاص وبين القطاع العام بما يحقق الظروف الملائمة للقطاع الخاص بإدارة وتشغيل أو استثمار أو إنشاء أو تملك جزء أو كل من المرافق العامة العائدة للمطار (القطاع العام) مقابل إيراد مالي محدد يعود إلى «سلطة الطيران» المكلفة وفق الاتفاقية بالإشراف على المطار كمرفق عام، وهنا تبرز الصفة التجارية للمستشار الحصري، وهو ما ينفي عنه صفة الدولية كما يسقط عنه صفتي الحياد والنزاهة المطلوبين باعتباره وسيطاً تجارياً لا أكثر، يعمل مقابل عمولة محددة لدوره بإنجاز صفقة تجارية مع المستثمر المحتمل، وبالتالي فهذا يعفي المستشار من الأخذ بعين الاعتبار استراتيجيات وأهداف القطاع العام في تسيير المرفق العام (المطار)، وبذلك فإن أية صيغة من صيغ التعاقد ستكون ذات نتائج مجحفة بحق الجهة العامة المشرفة على إدارة وتشغيل مطار دمشق الدولي موضوع الاتفاقية، كما ستؤثر سلباً على الأهداف والغايات التي أنشئ العقد من أجلها.
ومع ذلك فقد منحت اتفاقية «مشروع مطار دمشق الدولي» للمستثمر في مكانين منفصلين صفة «الأمين» و«صاحب النية الحسنة» في تنفيذ نصوصها، وهذا لا يستقيم مع الالتزامات القانونية بين شخصين من أشخاص القانون الدولي لأن استخدام هاتين الصفتين ينحصر في حال تم التعاقد مع شخص طبيعي تتطلب منه وجود مواصفات شخصية معينة بحد ذاتها يعول عليها في إبرام العهد.
كما أن إلحاق هذه الصفة بالمستشار الدولي تعني أنه غير مسؤول عن أي سوء تنفيذ لبنود ومضمون الاتفاقية، وهذا يتنافى ومبدأ التوازن في الالتزامات والمسؤوليات التي نص عليها نظام العقود الموحد 51 لعام 2004، ومن شأن الاستناد إلى مثل هذه الاعتبارات في النصوص القانونية أن يعرض حقوق المرفق العام وهو مطار دمشق الدولي للهدر والضياع.
وورد في الاتفاقية أن على العميل (سلطة الطيران المدني السورية) اعتبار مؤسسة التمويل الدولية المرجعية الحصرية لجميع الأسئلة والاستفسارات حول المشروع المتفق عليه، وأن يبلغ المستشار (مؤسسة التمويل) بأي قرارات قد تتخذ وتؤثر في موقع المشروع، وهنا لابد من الإشارة إلى أن مدلول هذا الالتزام يدل صراحةً على تقييد سلطة اتخاذ الجهة المالكة أو المشرفة على المرفق العام للقرارات، ولاسيما أن المستشار يصبح في حل من أية مسؤولية قد تنشأ عن عدم صحة إجراءاته في حال اتخذ القرار دون عرضه عليه.
شروط مجحفة
كما أوجب نص الاتفاقية وجود شروط مرجعية يتم الاتفاق عليها بين الطرفين لاختيار مستشار العميل ليكون المسؤول عن تأمين كل الوثائق والبيانات اللازمة لعمل المستشار، رغم أن مثل هذه الشروط المرجعية ليس لها أي مستند في القوانين السورية، ورغم أن اللجوء إلى القانون رقم 2 لعام 2005 الخاص بالمؤسسات لا يعطي الحق للجهة العامة بالتعاقد للقيام بمثل هذه المهام التي لها أثر كبير في الواقع الراهن للمرفق العام، ناهيك عما يترتب على ذلك من نتائج قد يصدرها المستشار الدولي مع الإشارة إلى عدم وجود أي بيانات أو إحصائيات أو مخططات دقيقة يمكن أن تعكس واقع المرفق العام الراهن بحيث تكون منطلقاً في تنفيذ بنود تلك الاتفاقية سواء من الناحية الفنية أو الإدارية.
وفي نقطة أخرى، أوضحت المصادر أن الاتفاقية منحت مؤسسة التمويل الدولية الحق باستيفاء أتعابها من صناديق الائتمان المختلفة في حال قصّر أو تعثر العميل في تسديد التزاماته المالية تجاهها، دون تحميل المؤسسة أية مسؤولية في حال حدوث ذلك، ولكن منح هذا الحق لأحد الطرفين هو هنا المستشار، يمنحه حقاً آخر هو متابعة تنفيذ بنود الاتفاقية بالطريقة التي يراها دون أن يكون ملتزماً بأي توجيه قد يصدر عن العميل (سلطة الطيران)، كما أنه يمكن للمؤسسة استخدام هذا الحق في حال نشأ خلاف بين طرفي الاتفاقية، وامتنع العميل عن تسديد أتعاب المستشار لإخلاله بالالتزامات الواردة بالاتفاقية وبشكل يخالف رأيه، باعتبار أن هذا الحق يعتبر بمثابة تفويض لا يتطلب الرجوع إلى العميل للموافقة عليه مسبقاً، وبالتالي يتحمل العميل والمرفق العام (المطار) جميع الالتزامات القانونية والمالية الناشئة عن هذا التصرف من المستشار.
غياب الضمانات
وتضمنت البنود كذلك إخلاء مسؤولية المستشار من أي التزام قد ينشأ عن الاتفاقية، دون تقديم أي ضمانات للوفاء بالالتزامات أو لسوء المخرجات وتنفيذها، كما ورد في الاتفاقية بند خاص بالورثة والوكلاء حول حقوقهم في هذا المشروع، وكذلك نصت الاتفاقية على قيام مساح الأراضي بتقدير القيم المالية للأرض والممتلكات المتعلقة بالمرفق العام والتي سيتم تحويلها، كما نصت على تثبيت سندات الملكية، وهنا يلاحظ أن الاتفاقية لا تعرض أية رابطة سببية تبرر نصوص هذه المواد على اعتبار أن العلاقة بين طرفي الاتفاقية هي علاقة بين شخصين من أشخاص القانون الدولي، ولا يمكن تبرير ذلك إلاّ بأن المستشار (مؤسسة التمويل الدولية) يتجه إلى نقل ملكية المرفق العام إلى المستثمر المحتمل، وهذا يخالف النظام العام في سورية والذي يمنع التصرف بملكية المرفق العام.
وكذلك بينت المصادر أن الاتفاقية حددت أتعاب المستشار الدولي (مؤسسة التمويل) بـ4.5 مليون دولار أمريكي، وهي لا تشمل تكاليف وأجور مستشاري العميل والخدمات الإدارية واللوجستية المقدمة من العميل (سلطة الطيران المدني السورية) والنفقات الإضافية التي قد تترتب على تمديد الاتفاقية، ولاحظ خبراء أن هذه المبالغ تم تحديدها تحت عناوين «أتعاب- رسوم نجاح» دون بيان الأسس التي تم الاعتماد عليها للوصول إلى تلك القيمة، ورأوا أنه كان من المفترض أن تكون لدى مؤسسة التمويل أنظمة تحدد النسب المالية التي يمكن لها أن تتقاضاها مقابل تقديم هذه الخدمة من الدول الراغبة بالاستفادة منها.
ملاحظة.. واستنتاج
دعا البعض مؤخراً على صفحات أحد منابر رجال الأعمال، إلى «إحالة إدارة هذا المطار إلى جهة خاصة حتى لو كانت أجنبية»، موجهاً «دعوة لكل الغيورين على هذا الوطن بأن يتحركوا فوراً، لا أن يتركوا الأمر بيد وزارة النقل ومديرياتها التي أوصلتنا إلى هنا..».. فهل يمكن اعتبار ذلك تصعيداً جديداً في الحملة الشعواء التي يشنها الرأسماليون الجدد بمساعدة أبواقهم لخضصخصة كل المرافق الحساسة على طول البلاد.. وأن خطوتهم التالية ستكون الشروع جدياً في تناهب مطار دمشق الدولي بشكل صريح وعلني؟؟