من الذاكرة : دروس وعبر
حين انتظمت لأول مرة بفرقة حزبية في تموز عام 1954 سمعت من الرفيق عضو اللجنة الفرعية سرداً للحادثة التي تعرض لها الرفاق في مكتب الحزب بحي المزرعة بدمشق في أواخر شهر تشرين الثاني عام 1947 يوم صدور قرار تقسيم فلسطين، وكيف هاجم الرجعيون الظلاميون من جماعة الإخوان المسلمين المكتب بهدف اقتحامه وحرقه وقتل من فيه
وقد حاول الرفاق المتواجدون وعددهم قرابة 14 رفيقاً صدهم، لكنهم لم يفلحوا في ذلك لكثرة عدد المهاجمين، واستشهد الرفيق «حسين عاقو»، وأصيب بعض الرفاق ومنهم «جورج عويشق» و«عدنان البني» و«عبد الرحمن الأيوبي»، واضطر الباقون لمغادرة المكان عن طريق المنور إلى السطح ومنه إلى الأبنية المجاورة، ثم تواروا بعيداً مع حلول الظلام، وأذكر من أسماء المتواجدين «بهجت قوطرش» و«يوسف فيصل» و«نجاة قصاب حسن» و«عبد الوهاب كيكي» و«إسماعيل يونس جريوان» و«عبد القادر إسماعيل» و«أحمد فرحة» و«موفق الحفار».
ومع مرور الزمن لم يتوقف مسلسل الاعتداءات المسعورة للإخوان المسلمين، فقد أصيبوا بهزيمة منكرة في انتخابات عام 1957 حين أسقطت دمشق البطلة مرشدهم العام «مصطفى السباعي»، وانتخبت المرشح الوطني رياض المالكي، فصبوا جام غضبهم على الشيخ «أحمد كفتارو» الذي انحاز إلى الصف الوطني وهددوه، فكلفت اللجنة الفرعية في ركن الدين فرقتنا بحماية بيته، وهنا لابد من الإشارة إلى تلك الصداقة التي جمعت بين الرفيق «خالد بكداش» والشيخ «كفتارو»، ولعل البعض ما زال يتذكر الحوار الذي دار بينهما حول ما يجمع المناضلين من كل الاتجاهات حيث ذكر الرفيق «خالد» للشيخ قول لينين: «إن اختلاف الكادحين حول وجود أو عدم وجود جنة في السماء، لا يمنعهم من الاتفاق على بناء جنة على الأرض». وقد استحسن الشيخ كفتارو كثيراً هذا القول. كذلك لا بد من ذكر تلك العلاقة الوطيدة بين الرفيق «خالد» والشيخ «محمد الأشمر» أحد أبطال الثورة السورية الكبرى، الذي حاز على وسام لينين للسلام، وكان من أكثر المتحمسين لانتخاب الرفيق «خالد» للبرلمان عام 1954.
وفي ثمانينيات القرن الماضي ارتكب الإخوان المسلمون أبشع المجازر، وقاموا باغتيال عدد كبير من الوطنيين بينهم الرفاق الدكتور «عبد الرحمن هلال» و«نزيه الجمالي» و«عمر عوض» و«أحمد طلحة» و«أنطون صراف» و«راسم العمر» و....
وبعيداً جداً عن هذا الإجرام والغدر، تحفل ساحات الوطن بشواهد رائعة من التعامل الفكري المتحضر بين مختلف الاتجاهات الوطنية فالفكر لايجابه إلا بالفكر، وليس بالنار والحديد والقتل.
وفي الختام لا بد من ذكر ذلك الحوار الهام الذي دار بين الرفيق «قدري جميل» وبين الشيخ «محمد سعيد رمضان البوطي» في استديوهات الشام الدولية لقناة ART بمعرض دمشق الدولي تحت عنوان «قضايا ساخنة.... حول هجمة الغرب الامبريالي على الشرق»، الذي أداره الشيخ «محمد الحبش»، وبحضور لافت لعدد من رجال الفكر والسياسة أمثال «هادي العلوي» ومفتي حلب الشيخ «أحمد بدر الدين حسون» وذلك في أوائل عام 1998 وبنهاية الحوار الناجح عبر الجميع عن إعجابهم بما سمعوه وسعادتهم بهذا اللقاء الهام حيث قارع الفكر الفكر بالدليل والحجة والشواهد.