على هامش الأزمة.. طرق تقليدية وأخرى مبتكرة لتأمين الإنارة..
اشتكى العديد من المواطنين من انقطاع التيار الكهربائي بشكل متكرر لساعات طويلة غير منتظمة، فرغم أن تقنين التيار الكهربائي ليس بالجديد على السوريين،
ورغم أنها السنة الثانية التي يحدث فيها بهذه الفترات الطويلة، إلا أن الناس ما زالوا يشتكون، لأن البدائل غير كافية لتسيير أمور الحياة اليومية كما لو كانت الكهرباء متوفرة.
ومع غياب الضوابط والحاجة الماسة للمنتج، تحرك الجشعون من التجار ليجدوا لأنفسهم طاقة جديدة للربح على حساب حاجات الآخرين، حيث انتقلت عدوى جنون الأسعار إلى منتجات الإنارة من شواحن ومولدات كهربائية وشموع، بجميع أحجامها وأنواعها ومصادرها.
ووسط المعاناة اليومية للمواطن والأسرة السورية، احتلت مسألة تأمين الإنارة للمنزل حيزاً هاماً من الهم الحياتي المستمر، وبات من الضروري إدخالها في قائمة المصاريف اللامنتهية خلال الشهر وضرورة موازنتها مع الحاجات الأساسية الأخرى تحت غطاء (الراتب غير الكافي لتأمين الطعام والشراب) إن وجد.
ولا يخلو أسبوع أو شهر من أيام مظلمة بالكامل، لأسباب تدرجها وزارة الكهرباء بحدوث اعتداءات على شبكة الكهرباء أو استهداف إحدى محطات التوليد ومحولات رئيسية تمس مباشرة مدينة دمشق وريفها والمنطقة الجنوبية عموماً.
ارتفاع الأسعار %100
وسجلت وسائل الإنارة على اختلافها قفزات كبيرة وتضاعفاً في الأسعار، وصل إلى %100 أو أكثر، علماً أنها كثيرة الأعطال مثل الشواحن والمولدات التي تباع دون كفالة صيانة، إضافة لتسببها بالضجيج والتلوث المزعجين كثيراً.
كما تضاعفت أسعار الشمع بشكل لافت منذ بدء التقنين بوضعه الحالي، وبعد أن كانت الشمعة تباع بسعر 5 ليرات سورية، أصبح سعرها بين 15-25 ليرة، وسعر كيس الشمع وصل إلى 300 ليرة سورية، فضلاً عن وجود أنواع من الشمع تتحكم بسعره، وانتشار نوع جديد (دون بقايا) لكنه خطر على الصحة لأنه يبعث أبخرة أثناء ذوبان الشمعة عوضاً عن ترك أثر.
أما مولدات الكهرباء، فهي أيضاً تندرج ضمن أنواع وأحجام، منها الصيني ومنها الياباني، وهناك مولدات (بنزين أو مازوت) وهاتان المادتان تعيشان أزمتهما الخاصة، بينما أسعار المولدات فحسب طاقتها وتبدأ بسعر 15 ألف لترتفع مع زيادة حجمها وطاقتها التشغيلية لتصل إلى مئات الألوف.
بينما تتجه معظم العائلات الميسورة إلى استعمال شواحن الكهرباء، وتعتبرها حلاً مقبولاً من حيث الأداء والسعر مقارنة بالوسائل الأخرى في الظرف الاقتصادي الصعب والمتردي، إلا أن هذه الشواحن شهدت انتعاشاً في سعرها بسبب زيادة الطلب عليها، فهناك شواحن صغيرة بسعر 200 ليرة، وأخرى متوسطة الحجم بسعر 450-500 ليرة، والكبيرة بسعر 900-1000 ألف ليرة سورية، كما انتشرت أشكال عديدة لهذه الشواحن بعضها مزود بكشاف، والآخر براديو أو منبه.
عودة إلى الفانوس..
وابتكارات منزلية الصنع
فيما عادت بعض العائلات إلى فانوس الكاز للإضاءة، لكن قلة توفر زيت الكاز بالأسواق، دفعهم للاستعانة بالنفط (تنر) عوضاً عن زيت الكاز، حيث تباع عبوة النفط بسعة ليتر واحد بسعر 125-150 ليرة سورية.
وفي السياق ذاته، بدأ البعض بابتكار وسائل إنارة بسيطة وغير مكلفة، أحدها يعتمد على خط الهاتف والذي يتطلب شاحن يوصل بمقبس الهاتف ودارة تحويل، لتعطي ضوءاً مجانياً.
وقال موظف في أحد مقاسم الهاتف عن هذه التقنية إنها «منتشرة بشكل كبير، لكنها تؤدي إلى احتراق خط الهاتف عند استعماله لفترات طويلة بسبب الضغط، إذا لا يجب استخدام خط الهاتف لأكثر من ثلاث ساعات متواصلة».
أما الطرق البسيطة الأخرى فبعضها عن طريق شرائح البطاطا وزيت الزيتون، وبعضها باستخدام البرتقال (الجزء الأبيض الذي يشبه الفتيل داخل البرتقالة) وزيت الزيتون..
استجرار غير مشروع للتحايل على التقنين
أما الاعتداءات على شبكة الكهرباء فبات لها أشكال عديدة، فلم تعد سرقة الكهرباء أو استعارتها، كما يسميها البعض تلطيفاً لفعلهم، حكراً على مناطق العشوائيات وبسب الرغبة بالتهرب من دفع ما يترتب عليهم من فواتير وضرائب، بل أصبحت وسيلة جديدة للاحتيال على التقنين.
وقال أبو نور رب أسرة ومهندس كهرباء إنه «بسبب الأعطال الكثيرة التي تصيب المولدة الكهربائية، وعدم توفر مادة البنزين، اضطررت لمد كبل يصل منزلي مع منزل الجيران للحصول على الكهرباء، بعد أن لاحظت أن التقنين يطبق بالتناوب بيننا، وبهذا وفرت الكثير من العناء والضجيج والإضاءة أيضاً».
وليس أبو نور وحده من لجأ لهذا الحل، فالمنازل في الحي الواحد ليست بالضرورة موصولة على الخط الكهربائي نفسه، أي أن التقنين قد يطبق بالتناوب على خطوط الكهرباء وبالتالي على المنازل المتجاورة، لذلك قام بعض المواطنين بربط منازلهم بمنازل جيرانهم، وبما يتيح لهم التبديل بين خطي الكهرباء حسب تطبيق التقنين، علماً أن هذا يؤدي إلى حمولة زائدة على الشبكة الكهربائية ويكون سبباً في إضرارها.
أسعار محررة وتصريحات ترفع الأسعار
ومع جنون الأسعار يتساءل البعض حول دور الحكومة عن كبح جماح الأسعار التي أصبحت أشبه بالبورصة العالمية ومرتبطة بها حتى لأبسط المنتجات، إلا أن سياسة تحرير الأسعار التي انتهجتها الحكومات المتتالية والسابقة، ساهمت بتشجيع التجار على رفع الأسعار ولو أنها طالبتهم أحياناً بمبررات لهذا الارتفاع، لكن هذه المبررات يسهل إيجادها خاصة مع غياب العقوبة الرادعة، فحوالي 80 % من أسعار السلع والمنتجات محررة بهوامش ربح غير محددة، والمراقبون التموينيون إن افترضنا قيامهم يعملهم بطريقة نزيهة وتامة، ليسوا كافين لتغطية أسواق المحافظات كلها بعددهم القليل الذي لا يتجاوز 600 مراقب فقط.
ومن جانب آخر، باتت تصريحات وزير الكهرباء عن استمرار تطبيق التقنين، وزيادته إن دعت الحاجة، وعدم القدرة على إلغائه بسبب الأضرار وعدم توفر الفيول وغيرها من مبررات، موضوع ترقب بالنسبة لتجار المولدات والشواحن الكهربائية، وعاملاً هاماً يعتمدونه في رفع أسعارهم، علماً منهم أن الحاجة لما يبيعونه مستمرة إن لم تكن متزايدة.