من سيحاسب من؟
نوار الدمشقي نوار الدمشقي

من سيحاسب من؟

تناقلت بعض وسائل الإعلام اليوم خبراً مفاده انهيار أحد الطوابق في بناء مشاد بشكل مخالف في حي التضامن بدمشق، دون تسجيل إصابات.

ترى هل من مفاجأة تعتري القارئ عن خبر الانهيار المذكور، أو عن الأبنية المخالفة على أعين وأسماع أولى الأمر؟

الخبر أعلاه ربما فقد حافز التشويق والإثارة كونه ومن الألطاف لم يقترن بضحايا أو إصابات، وبالتالي ستذروه رياح النسيان كما غيره، مع كل خلفياته وتداعياته وأسبابه ونتائجه، علماً أن بمضمونه الكثير من مواضع التساؤل وإشارات الاستفهام، كما يعكس بمضمونه الكثير من النقاط العميقة واجبة البحث، بالإضافة للكثير من المسؤوليات المهدورة والمحاسبة المغيبة.

فحي التضامن بدمشق يعتبر من أحياء المخالفات، والتي تزايد نشاط المخالفات فيه خلال سنوات الحرب والأزمة بشكل لافت، حاله كحال كل الأحياء المخالفة بدمشق وغيرها، وذلك من أجل جني المزيد من المكاسب في جيوب السماسرة والتجار، على حساب فقراء الحال والمعوزين، الذين تقطعت بهم السبل في الحصول على المسكن الملائم هندسياً وانشائياً وصحياً بسعر مناسب، سواء شراءً أو إيجاراً.

ومن أجل الحصول على أعلى الأرباح أصبح تجار العقارات وسماسرتها يقومون بتخفيض تكلفة الانشاءات المخالفة هذه عبر التلاعب بكميات الحديد والاسمنت وتخفيضها إلى أقصى درجة، بالإضافة للتجاوز على قدرة تحمل أساسات الأبنية بإضافة طوابق جديدة، كلما أتيح لهم ذلك، وطبعاً كل ذلك على حساب الفقراء والمعترين بالنتيجة، الذين ممن الممكن أن يكونوا ضحايا لهذه المخالفات، كما هم ضحايا الاستغلال بها.

من كل بد فإن هذه المخالفات لم تحصل بين ليلة وضحاها، طيلة السنين والعقود الماضية، وبالتالي فقد جرت على أعين وأسماع كل الجهات الرسمية التي من المفترض أن من واجباتها منع المخالفات، كما أنها لم يكن لها لتنتشر وتتوسع لولا الغياب الطويل لدور الدولة عن جزء هام من مهامها على مستوى السكن والاسكان منذ عقود، واضطرار الناس للقبول بالمخالفات كبدائل لا غنى عنها بظل هذا الغياب الرسمي.

أمام كل هذه المسؤوليات المركبة والمتراكبة المغيبة، وبظل كم المصالح والأرباح الكبيرة المحققة في جيوب التجار والسماسرة والفاسدين، ودعم السياسيات الحكومية لكافة أنشطتهم وممارساتهم الربحية "المشروعة"، تبدو موضوعة المحاسبة بالنتيجة أكثر غياباً وتغييباً، حتى وإن استفحل أمر المخالفات ليصل لحدود الانهيارات والضحايا.

أخيراً ربما يمكننا القول أن بعض أخبار المآسي لم تعد تحمل معها طابع الإثارة والتشويق، حتى وإن اقترنت بضحايا أو إصابات تستنفر معها مشاعر التعاطف بشكل مؤقت، وذلك حسب الجرعة الإعلامية المصاحبة لها ومدتها، وآليات تكرارها المرتبطة بمدى تفاعل الرسميين معها، إن وجد هذا التفاعل من أصله، ليصبح الخبر المأساة طي النسيان والكتمان، حاله كحال كل المآسي التي يعيشها المواطن بشكل يومي.

فمن سيحاسب من بالنتيجة؟ ومن أين للمواطن أن يحصل على حقوقه المهدورة تباعاً؟ ومن سيضع الحدود أمام مستغليه؟