الزراعة السورية.. أزمات اقتصادية-اجتماعية- بيئية

الزراعة السورية.. أزمات اقتصادية-اجتماعية- بيئية

لا ينفصل الحديث عن قطاع الزراعة اليوم، عن حديث أزمات الأمس والتي استمرت مفاعلاتها لتزيد هشاشة الزراعة والمزارعين، ومع هذا يبدي القطاع استجابة متكيفة نسبياً ظروف العمل المتغيرة والقاسية في الأزمة

وتعتبر فرصته في العودة للنمو أعلى من فرصة القطاعات الأخرى، ولكن هذا رهن السياسات ودور الدولة التي سحبوا فاعليتها الاقتصادية اليوم أكثر مما قبل الأزمة..

قدمت في جمعية العلوم الاقتصادية بتاريخ 9-8-2016 محاضرة تلخص (رؤية لإعادة تأهيل قطاع الزراعة في سورية) أعدها الباحث محمد حسان قطنا.(قاسيون) تقدم أهم النقاط الواردة فيها..

المناخ المتوسطي في سورية ذو الأربع فصول، مع المساحة القابلة للزراعة البالغة 33% من المساحة الإجمالية، أدت إلى إمكانية زراعة أكثر من 82 نوع نباتي، وتربية حوالي عشرة أنواع من الثروة الحيوانية، يضاف إلى هذه المساحات البادية التي تشكل نسبة 44% من مساحة سورية، وهي منطقة قابلة للتنمية والتطوير في المجالات كافة والزراعية الرعوية منها تحديداً. وضمن هذه الإمكانيات، كانت الزراعة الدخل الرئيسي للريف، وتشغل النسبة الأكبر من القوى العاملة السورية، ويعتبر نشاطها محركاً للنشاطات الأخرى في الريف من نقل وصناعة وتجارة داخلية وخارجية، وهذه الإمكانية المتوفرة في البيئة الزراعية السورية، كانت تتراوح مساهمتها من الناتج المحلي الإجمالي لسورية ما بين 11- 27%.

ولكن رغم هذا كله فقد تراكمت خلال السنوات السابقة للأزمة جملة من المشاكل والمعوقات المؤثرة على النمو في القطاع الزراعي وهي تفاقم الوضع سوءاً اليوم..

 

المياه والأراضي..

إن أول المعوقات في توسع نمو الزراعة ترتبط بإمكانيات الأراضي والمياه، وتحديداً مع تأثرها السلبي بالعوامل البيئية والمناخية. حيث وصلت الموارد المائية والأرضية المستثمرة إلى ذروتها وأصبحت فرص إدخال موارد جديدة بالاستثمار صعبة للغاية، ولا تحقق الجدوى الاقتصادية لاستثمارها.

فنمو الموارد المائية والأرضية هو حوالي 1%، يقابله نمو سكاني وسطي 2,54%، ما يدل على ضعف كفاءة الاستثمار في الموارد المائية والأرضية.

تستهلك الزراعة قبل الأزمة 88% من الموارد المائية الإجمالية البالغة 15.5 مليار متر مكعب، وقد ازدادت خلال خمس سنوات 2011-2015 المساحات الزراعية المعتمدة على الري السطحي وأصبحت تشكل 55% من المساحات المزروعة قياساً بـ47% كوسطي للفترة بين 2005-2010 ما يدل على زيادة الهدر في الماء، وبالمقابل قلت مساحات الأراضي المروية عبر الآبار، لتتراجع نسبتها من 53% إلى 45% من المساحات المزروعة. بعد أن ارتفعت أسعار المحروقات وعدم توفر الكهرباء التي كانت تشغل 36% من الآبار..

فالمشكلات التي يواجهها عنصرا المياه والأراضي، أصبحت مستعصية على الحل في حال استمرار إدارة الاستثمار بالشكل العشوائي الحالي، الذي لا يأخذ بعين الاعتبار مشاكل المياه والتربة وتغيرات المناخ، وانعكاساتها في الآفات والأمراض، وإنتاجية المحاصيل البعلية وغيرها، والتي بدورها تتناقض مع منظومة الحيازة الصغيرة، التي لا تستطيع مواجهة مشاكل من هذا النوع، تحديداً مع التراجع المستمر في العائد الاقتصادي للإنتاج الزراعي، ومع تراجع الاستثمار العام..

فالإنتاج النباتي الذي تراجع من 14,6 مليون عام 2005، إلى 13.1 مليون طن عام 2010، وصل تراجعه إلى 7,8 مليون طن في عام 2015.

ما يجعل إيقاف طريقة الاستثمار بكفاءة منخفضة سابقاً، ضرورة، ويجعل الكفاءة العالية في الاستثمار الزراعي شرطاً للاستمرار والتوسع به، والجانبين كليهما يرتبطان بالتوجه نحو الإدارة العلمية والتقنية للموارد المستثمرة، ووضع الدورات الزراعية المناسبة للترشيد ورفع كفاءة الاستثمار والاتجاه نحو الزراعات ذات العائد الاقتصادي الجيد، بميزات نسبية وتنافسية عالية.

 

الثروة الحيوانية

لم يتم الاستفادة من الإمكانيات المتاحة لتطوير الثروة الحيوانية في سورية، رغم أهمية مساهمتها بالناتج المحلي الزراعي، فالثروة الحيوانية في سورية تتميز بعروق أصيلة من الخيول، والأغنام والأبقار والماعز والنحل، وهي متلائمة ومتكيفة مع الظروف المناخية والبيئية، وقد تم تطوير إنتاجيتها إلى مستويات جيدة من خلال البحوث العلمية، إلا أن هذا لم يترافق مع مواجهة عائق رئيسي، وهو عدم التوازن بين عدد القطيع وحجم المراعي الطبيعية، والزراعات العلفية اللازمة لتأمين حاجاتها.

فالاعتماد على الاستيراد لسد العجز العلفي من جهة، وعدم القدرة على تنظيم استخدام المراعي، وتنظيم أساليب التربية والتسويق منعت توسعها والاستفادة الكاملة من إمكانياتها، وسارعت في تدهورها خلال الأزمة.

حيث تشير الأرقام الرسمية إلى خسارة في عدد الأغنام حوالي 2,2 مليون رأس من أصل 18,6 مليون. أما الأبقار خسارة حوالي 87 ألف رأس ليتبقى 913 ألف، وخسارة 200 ألف رأس من الماعز ليتبقى 1,8 مليون. بينما تراجعت الدواجن من 25 مليون طير إلى 17 مليون طير، وعليه فإن تقديرات تراجع إنتاج اللحم هي من 416 ألف طن إلى 335 ألف طن في عام 2015، بخسارة 19% تقريباً، وتراجع إنتاج البيض بمقدار 2.3 مليار بيضة، ونسبة 70% تقريباً، بين ما قبل الأزمة وعام 2015.

 

اختلال التوازن بين القطاعات

النقلات النوعية التي أثرت على الإنتاج في قطاع الزراعة السوري، والناجمة عن الاستثمار الحكومي الواسع في مراحل سابقة، سواء في الدعم، والتوسع باستصلاح الأراضي، ومشاريع الري، والسدود، واستقرار سوق مستلزمات الإنتاج لفترات طويلة، وسوق تسويق الإنتاج للمحاصيل الاستراتيجية، أدت إلى توسع هام خلال عقود مضت في الإنتاج الزراعي النباتي والحيواني، إلا أن الطاقات الإنتاجية في القطاعات الأخرى لم تتطور بالتوازي، ما أدى إلى عدم استيعاب محلي لفائض الإنتاج، وارتفاع نسبة الفاقد منه، وتصديره دون الاستفادة من توسيع القيمة المضافة منه، وهذا انعكس بدوره على عوائد الاستثمار الزراعي، وقلل من الجدوى مع انخفاض الأسعار، وضعف العائد، فتوقف عدد كبير من الحائزين الصغار عن استثمار حيازاتهم، وانتشر التعدي السكني والصناعي وغيره على الأراضي الزراعية.

 

الاستثمار والعمالة الزراعية

الاستثمار في الزراعة في سورية هو استثمار المزارعين بالدرجة الأولى، وهو ما يجعل كفاءته وقدراته على التوسع منخفضةً، تحديداً مع تراجع عوائد المزارعين ودخلهم، وتفتت الحيازات. ما يجعل البنية الاستثمارية في الزراعة غير قادرة على مواجهة تحديات من نوع الظروف المناخية والبيئية وتأثيرها على الموارد، بالإضافة إلى عدم تطور أسواق الجملة، ومشاكل ضعف تسويق الإنتاج الزراعي.

أما بالنسبة للاستثمارات الحكومية المخصصة لقطاعي الري والزراعة، فهي في تراجع منذ عام 2000، ولا تلبي حاجة المشاريع المدرجة بالخطط الاستثمارية السنوية ذاتها، وقد زاد هذا التراجع خلال الأزمة بشكل حاد، حيث انخفض الإقراض الزراعي الحكومي بنسبة 95%.

والبنية الاستثمارية المعتمدة على المزارعين بملكياتهم الصغيرة، تضفي طابعها على العمالة الزراعية، فهي عمالة موسمية غير منظمة، وغير مسجلة بالتأمينات الاجتماعية. ومستويات استقرار دخلها ضعيفة جداً، وهو ما يفسر انتقالها الواسع وهجرتها من الريف مع كل موجة من موجتي الجفاف الأساسيتين في المراحل السابقة، في عامي 1998-1999، ومن ثم بشكل أوسع في موجة الجفاف المسجلة في عامي 2008-2009.

 

مشكلات قطاع الزراعة السابقة والحالية، تتعقد وتتداخل مع أزمات بيئية واجتماعية عميقة، وحلولها يجب أن تكون معقدة وعميقة كذلك الأمر.. فالتناقص كبير بين مشكلات بيئية ومناخية تؤثر على التربة والموارد المائية وطرق استخدام الأراضي الزراعية، وبين أن تكون البنية الاستثمارية قائمة على ما يستطيع المزارعون وغالبيتهم أصحاب حيازات صغيرة أن يؤمنوه لإعادة تجديد إنتاجهم.. واستمرار هذه الحال من تراجع الاستثمار الزراعي العام، وانسحابه من حل المشكلات الكبرى وضرورة تنظيم وتخطيط والمساهمة الفعالة في العملة الاستثمارية الزراعية، عبر الإنتاج وتوسيع الدعم والإقراض الزراعيين، ودون هذا من غير الممكن أن يستطيع قطاع الزراعة السورية أن يزيد عوائده الاقتصادية ويساهم في حل المشاكل البيئية والاجتماعية المرتبطة به..

آخر تعديل على الأحد, 21 آب/أغسطس 2016 12:53