عبدي يوسف عابد عبدي يوسف عابد

الحراك السلمي ضمان لتحقيق الإصلاحات

مضى أكثر من ستة أشهر على انعتاق الحراك الشعبي من إساره الذي استمر عشرات السنين، وانطلاقه تحت ضغط الوضع الاقتصادي السيئ وغياب الحريات وقمع الأجهزة الأمنية وفسادها وسيطرتها على مختلف مناحي الحياة، والذي سرعان ما ووجه بالحديدوالنار واتهام المنخرطين فيه بشكل عام بأنهم «مندسون» و«متآمرون»، ما أدى لنزيف شلال من دم المواطنين الأبرياء، والذي ما يزال يسيل يومياً بغزارة، وراح يشكل ذريعة للتدخل العسكري الخارجي لأعداء البلاد.

إن عنوان الفترة الماضية عموماً هو صدام حاد ومستمر بين النظام والحراك الناشئ، فلا الحراك الشعبي قنع بما تحقق له من مطالب قيد التنفيذ، ولا الحل الأمني تمكن من لجم هذا الحراك المتصاعد.. إنها حالة الوصول إلى عنق الزجاجة، والتي قد تطول وتطول إذالم يتم التوصل إلى التوصل إلى حل توافقي يؤمن مخرجاً آمناً، لأن الدم يستدعي الدم، الأمر الذي إذا ما استمر على الوتيرة ذاتها يشي بتصاعد الأحداث وتفاقمها أكثر فأكثر لتقود البلاد إلى المجهول.

إن استعمال السلاح ضد الحراك الشعبي السلمي غير مبرر إطلاقاً، ويوحي برفض الأجهزة واستنكارها الشعارات الديمقراطية والاجتماعية التي ينادي بها الحراك، أما استعماله ضد المسلحين الذين يعتدون على الشعب وقوى الأمن والجيش ويقتلون الأبرياء وهمأدوات المؤامرة على الوطن، فهو ليس مبرراً وحسب، بل ضرورة تقتضيها ظروف الأمن والسلم الأهلي لدرء الفتنة الطائفية، وعلى الحراك السلمي للفظ كل من يستعمل السلاح من بين صفوفه.

لكن رغم كل المخاطر القائمة على وحدة البلاد واستقرارها، يبدو أن هناك من يريد الاستمرار في السلوك القمعي المتبع كاستمرار للسلوك الذي مارسته الأجهزة الأمنية خلال عشرات السنين، انطلاقاً من مبدأ «لا يجوز لأحد أن يتحرك إلا بأمري»!.

إن أغلب الأجهزة الأمنية ولا أقول جميعها، اتخذت من فرض قانون الطوارئ منذ حوالي نصف قرن، والذي شل الدستور والقوانين، ذريعة للسيطرة على مختلف النشاطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالقمع والاغتناء غير المشروع دون حسيب أو رقيبفهليتصور أحد أن هذه الأجهزة التي مارست هذا السلوك الفوقي القمعي الفاسد، ستتخلى عنه وعن مكاسبها التي تعودت عليها؟

لذا أعتقد بأن لجوءها للحل الأمني، لاسيما تجاه الحراك الشعبي السلمي، تقتضيها مصلحتها في المحافظة على مكاسبها التي تأبى أن تتنازل عنها، لهذا بالذات تستدعي الضرورة استمرار الحراك الشعبي السلمي كضمان لتحقيق الإصلاحات السياسية والاقتصاديةوالاجتماعية المطلوبة.

ثمة عامل آخر يفرض ضرورة استمرار الحراك الشعبي لتحقيق الإصلاحات، وهو التغيير الكبير الذي طرأ على البنية الطبقية لمن بأيديهم مقاليد أمور الشعب والوطن، فلقد استلموا الحكم وهم فئة من المثقفينمحامون، أطباء، مهندسون، أساتذة مناضلون قوميون...وسالت أنهار العسل بين أيديهم، فتذوقوه بادئ الأمر بصحن، ثم بطنجرة فبرميل وبراميل، فتحول بعضهم إلى حيتان مالية بيروقراطية.. ولكن اقتصاد البلد الموجه تحت رعاية وإشراف الدولة، حال دون دخولهم ميدان الاستثمار والسيطرة الكاملة على اقتصاد البلد،فلجؤوا إلى الاقتصاد الليبرالي تحت تسمية اقتصاد السوق الاجتماعي، وعملوا هدماً وتخريباً علنياً في مؤسسات القطاع العام وسنوا القوانين التي تبيح لهم تأسيس المنشآت المالية والاقتصادية كالمصارف وشركات التأمين والجامعات الخاصة... وحرروا التجارةالخارجية والداخلية، وضعف أو الغي دور الدولة الرعائي للاقتصاد... الأمر الذي نتج عنه ضرب اقتصاد البلد بشكل عام والقطاع العام تحديداً، وازداد الفقر والبطالة والغلاء بين أوساط الجماهير الشعبية التي تشكل بمجموعها خلفيات مشروعة للحراك الشعبيالسلمي.

ورغم التوجهات التقدمية التي تنص عليها أدبيات أغلب أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، ورغم أن إحدى فقرات المادة /13/ من الدستور السوري تنص على أن اقتصاد البلد اشتراكي، جرى خرق الدستور بكل وقاحة، وتركوا الحبل على الغارب للفريق الاقتصاديبرئاسة الدردري أن يصول ويجول ويسير باقتصاد البلد في اتجاه يخدم قوى السوق عن سابق برمجة وتصميموأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، التي تضم بين صفوفها حزبين شيوعيين، لم تحرك ساكناً في هذا الخرق الفاضح للدستور، إلا بأضعف الإيمان.

إن السنوات الخمس الأخيرة التي جرى فيها ضرب منجزات اقتصادية واجتماعية هامة للعمال والفلاحين والجماهير الشعبية على أيدي أولي الأمر، لمصلحة قوى السوق والسوء، تستدعي بالضرورة استمرار الحراك السلمي لضمان تحقيق الإصلاحات الديمقراطيةوالاجتماعية المنشودة.