في سورية: «هوب هوب» جوي!
الطيران الخاص يسرح ويمرح على حساب احتياجات المواطنين بعد أن اقتصرت «الطيران السورية» على طائرة واحدة قيد العمل، وهي ما تلبث تتعطل وتتوقف للصيانة بين الحين والآخر.
لم تقف معاناة المواطنين عند الضغط الزائد على الطلب بمجال النقل الجوي، سواء الداخلي أو الخارجي، وذلك بسبب تقطع الطرق البرية والافتقاد لعامل الأمان بها لأسباب عديدة مقترنة بالحرب والأزمة، وما يتبع ذلك من استغلال لحاجات الناس بهذا المجال على مستوى رفع الأسعار وتدني الخدمات، بسبب قلة عدد الرحلات وعدد الطائرات بما لا يتناسب مع هذا الضغط، بل تعدت المعاناة ذلك لتصل إلى حدود الاستهتار التام من قبل العاملين على هذه الخدمة، اعتباراً من مكاتب الحجز مروراً بإلغاء الرحلات وصولاً إلى ضياع الحقائب وليس انتهاءً بالوزن وسوء الاستقبال، وغيرها من جوانب أخرى عديدة للمعاناة.
تكاليف مرهقة
تذكرة الطائرة من القامشلي إلى دمشق لدى الشركات الخاصة تبلغ قيمتها بين 30 و 40 ألف ليرة، حسب مكتب الحجز ودرجة المعرفة والواسطة، ومع إضافة بقية النفقات المترتبة على النقل بين المطارات والمدن فقد تصل تكاليف النقل الاجمالية إلى 100 ألف ليرة سورية للفرد الواحد، علماً أن السعر الرسمي للتذكرة بالسورية هو 15 ألف ليرة، ولكن الحصول عليها يحتاج إلى واسطات ونفوذ وسمسرة، ولا يحصل عليها إلا كل طويل عمر من المتنفذين والمحسوبين عليهم، مما يضطر ذوي الحاجة للجوء إلى الشركات الخاصة وسماسرتها والقائمين عليها، فما بالنا بتكاليف النقل الخارجي.
استغلال حتى النخاع
السمسرة عبر المكاتب والمرتبطين معهم باتت أمراً مفضوحاً لدى المواطنين، ليس على مستوى سعر التذكرة فقط، بل مع تكرار ذرائع التأخير والإلغاء، التي يتم من خلالها بيع التذاكر مرة أخرى لمن يدفع أكثر، حيث اشتكى الكثيرون من أنهم يقومون بالحجز باليوم وبالساعة، ليجدوا الرحلة تغادر من دونهم على الرغم من التزامهم بمواعيد الوصول إلى المطار والانتظار لساعات طويلة، ولكن كيف يتم ذلك ولمصلحة من؟ هي أسئلة تتكرر بأذهان هؤلاء ولكن دون جدوى، حتى ولو تقدموا بشكاوي أو اعتراضات على هذا الشكل من اللامبالاة والاهمال والاستهتار والاستغلال، والأنكى من ذلك أنه يتم اقتطاع نسبة 25% من قيمة التذكرة بحال المطالبة باسترجاع قيمتها، ليصبح المواطن بالنتيجة مستنزفاً حتى النخاح من قبل القائمين على هذه الخدمة والمستفيدين منها على كل المستويات، اعتباراً من سماسرة التذاكر مروراً ببعض المتنفذين وصولاً إلى المستثمرين الكبار وشركاهم، داخلاً وخارجاً.
منافسة حد الابتلاع
المنافسة بين العام والخاص على مستوى النقل الجوي، استقر أخيراً بانتصار الخاص بهذه المعركة غير المتكافئة، وذلك لأسباب عديدة جعلت من العام ضعيفاً ومتآكلاً عاماً بعد آخر بنتيجة السياسات الاقتصادية المتبعة تجاهه كما غيره من القطاعات العامة الأخرى، من نقص التمويل إلى الترهل والاهمال وصولاً إلى استنزاف الكوادر، وغيرها من المعيقات والممارسات الفاسدة التي أوصلت السورية للتوقف عن التطور سابقاً، ثم التراجع رويداً رويداً وصولاً إلى ما يشبه التوقف المطلق حالياً، وليس صحيحاً أن العقوبات الاقتصادية الحالية والمرتبطة بالحرب والأزمة هي السبب وراء ذلك، كما يحلو للبعض أن يتذرع، حيث أن عمر المعاناة الخاصة بالسورية للطيران وظروفها تجاوز العقود.
كل ما سبق جعل من دخول القطاع الخاص مبرراً تحت ضغط الحاجة حسب تأويلات وتبريرات أصحاب القرار، قبل المستثمرين أنفسهم، ولكن أن يدخل هذا القطاع إلى هذه الخدمة بهذا الشكل والنموذج المتدني من الخدمات والاستهتار هو موضوع آخر تماماً، لا تبرره لا منافسة ولا عقوبات ولا غيرها من الذرائع المقيتة بالنسبة للمواطنين.
واقع الحال يقول أن الأمر تجاوز المنافسة إلى الابتلاع، ليس على مستوى النقل الجوي العام، بل وصل إلى مستوى الخدمات المقدمة التي من الواجب توفيرها، سواء من قبل العام أو الخاص، والنتيجة هي المزيد من الاستغلال والنهب للمواطنين كما للاقتصاد الوطني بالمجمل.