أهالي (خلف الرازي) و(الإخلاص) ليلة القدر أم نجوم الظهر؟
أربعة أعوام شارفت على الانتهاء منذ صدور المرسوم 66 لعام 2012 القاضي بإحداث منطقتين تنظيميتين في نطاق محافظة دمشق، الأولى: منطقة جنوب شرق المزة «مزة- كفرسوسة»، والثانية: جنوب المتحلق الجنوبي «مزة- كفرسوسة- قنوات بساتين- داريا- قدم».
وهي الأعوام الأربعة نفسها التي ألزم المرسوم بموجبها محافظة دمشق بتأمين السكن البديل للشاغلين المستحقين للسكن البديل بموجب الفقرة /أ/ من المادة /45/ منه، كما كانت هذه الأعوام عبارة عن أعوام هواجس وقلق وتخوّف بالنسبة للأهالي والمالكين، كما لكل القاطنين في هاتين المنطقتين، ليس بسبب المرسوم وحيثياته، على الرغم من بعض الملاحظات عليه، بل بسبب تداعياته التنفيذية السلبية على هؤلاء، وذلك للعديد من الأسباب، اعتباراً من عمل لجان الحصر والتوصيف، التي أناط المرسوم محافظة دمشق بتأليفها دون أية ضوابط أو شروط على عضويتها، مروراً بهواجس الإخلاء دون تأمين السكن البديل، وليس انتهاءً بتوزيع سندات مثقلة بالإشارات الموجودة على الصحيفة العقارية دون حصر تلك الإشارات بسندات المعنيين بها.
يشار إلى أن المساحة الإجمالية لمنطقة خلف الرازي، المنطقة الأولى، تبلغ 214 هكتار، فيما مساحة المنطقة الثانية تبلغ 88 هكتار، وهي منطقة جغرافية واحدة عملياً يفصل فيما بينها المتخلق الجنوبي، وهي بالمجمل تعادل 1% من إجمالي مساحة مدينة دمشق، ويقدر تعداد السكان في هاتين المنطقتيتن بحدود 170 ألف نسمة، ناهيك عن تعداد النازحين اليها خلال سنوات الحرب والأزمة وبنتيجتها من العديد من المناطق المتضررة.
السكن البديل
يعتبر موضوع السكن البديل مشكلة المشاكل بالنسبة للأهالي، حيث مضت الأعوام الأربعة وحتى تاريخه لم تنفذ المحافظة ما تم إلزامها به بموجب المرسوم من تأمين هذا السكن خلال هذه السنوات، حيث كان من المفترض أن تكون بمثل هذا الوقت قد باشرت بالتسليم، في مماطلة لا أحد يعلم أسبابها الحقيقية، كما حال التأخير بإصدار قوائم المستحقين لهذه المساكن وشروطها، وخاصة ناحية الأصول والفروع القاطنين بمساحات طابقية مختلفة وشاغلين لها دون عقود إيجار، أو من كان منزله مهدماً بنتيجة الأوضاع الأمنية، أو المتغيبين عن منازلهم، مهما كانت مبررات وأسباب هذا التغيب، وفي الوقت نفسه نرى المحافظة تتبجح بأنها ملتزمة بالمرسوم وبالمواعيد الملزمة به! رغم وجود مساحات خالية من أية إشغالات، كانت المحافظة قادرة على بناء محاضر بها وفق المخطط التنظيمي المعتمد لتوزيعها كمساكن بديلة، حيث قام الأهالي مراراً بالمطالبة بذلك، عبر العديد من المذكرات للعديد من الجهات وعلى المستويات المختلفة، كما وضمن العديد من الاجتماعات، ولكن دون جدوى!.
لجان الحصر والتوصيف
الكثير من الأهالي كان معترضاً على عمل هذه اللجان، حيث قالوا بأن أعضائها لم يكونوا فنيين بحيث تكون لديهم القدرة على عكس الواقع حسب المهمة التي أناطها المرسوم بهم، بل إن بعضهم كان متعاقداً مع المحافظة بعقود موسمية مؤقتة لمدة ثلاثة أشهر، وعلى الرغم من ذلك فإن اللجنة المختصة بتقدير قيمة العقارات وفق الوضع الراهن، بما عليها من إنشاءات ومبان وأشجار وغيرها من الحقوق العينية، ستعتمد في بعض تقديراتها على الضبوط المنظمة من قبل لجان الحصر والتوصيف هذه، كما أن قرارات لجنة تقدير القيمة تعتبر غير قابلة للطعن والمراجعة، بموجب فقرة بأحد مواد المرسوم، وبفقرة أخرى يمكن الاعتراض من قبل المالك وتعديل القرار بحال وجود سهو أو خطأ، وإبلاغ المحافظة به لإجراء المعادلة وفق القيم السهمية المعادلة، ومع ذلك فقد كان هناك تبايناً في القيم المقدرة لسعر الأراضي وصلت أحياناً إلى نسبة 50%، بينما كان من المفترض ألا تتجاوز الـ 10%.
أما عن الأخطاء التي يمكن أن تكون قد ارتكبتها لجان الحصر والتوصيف، وخاصة ناحية المساحات والشاغلين وغيرها، ورغم العديد من الاعتراضات التي تقدم بها الأهالي، إلا أن أياً منها لم يؤخذ به حتى تاريخه، حيث قال بعض الأهالي: أنه تم العمل من قبل بعض اللجان على مبدأ «خيار وفقوس»، كما كانت غير منصفة للكثيرين منهم، مشيرين إلى فجوة بالمرسوم من عدم ورود مادة واضحة حول الاعتراض على عمل تلك اللجان، مما أتاح للمحافظة أن تغفل العديد من مطالبات الأهالي المحقة بهذا الشأن، متذرعة بعدم وجود نص يجيز ذلك، على الرغم من ضخامة الآثار المترتبة على عمل تلك اللجان، سواء من حيث القيمة التي تقدرها لجان التقييم أو على قيمة بدل الإيجار السنوي أو على مستوى السكن البديل المقترن بمعادلة المساحة المتساوية والمتقاربة، وغيرها من الحقوق التي ستذهب أدراج الرياح بحال لم يؤخذ باعتراضات الأهالي.
الغبن في قيمة البدلات
حددت الفقرة ه من المادة 44 من المرسوم أن بدل الإيجار الشهري السنوي هو 5% من القيمة التخمينية للوحدة السكنية المطلوب إخلاؤها، وقد تم تبيان البدلات أعلاه بعام 2013، كما أن أول مواطن استلم البدل السنوي المذكور كان في شهر أيلول من عام 2015، أي بقارق عامين تقريباً، مع ماتعنيه تلك الفترة من تآكل بالقيمة الشرائية لليرة، وبالتالي مع مايتناسب معها من بدائل للإيجار في مناطق دمشق المختلفة، مع عدم وجود فقرة تنص على الاعتراض على تلك القيمة أيضاً، وبالتالي سيتكبد المواطن المنذر بالإخلاء بفارق قيمة بدل الإيجار من جيبه، مهما طالت تلك الفترة لاحقاً، باعتبار لم يتم البدء بتنفيذ المساكن البديلة، علماً أن متوسط بدل الإيجار في منطقة المزة القديمة حالياً يعادل 100 ألف ليرة شهرياً لمساحة تقدر بحدود 100 متر مربع، وبالتالي فإن الغبن سيصيب الأهالي كلهم الذين سيضطرون لمغادرة منطقتهم بحثاً عن بدلات إيجار أدنى من ذلك في الريف القريب، وسيتكبدون الفارق السعري كما البعد في المسافة عن أعمالهم وأشغالهم ومدارس أبنائهم.
وبالتالي وعلى اعتبار أن التنفيذ لم ينجز حتى تاريخه، ويتم إيجاد المبررات والمسوغات والأعذار لذلك، فمن الأجدى أن يتم تعديل بدلات الإيجار بما يتناسب مع الأسعار الحالية، وإيجاد الفتوى القانونية لها أيضاً.
الإشارات على السندات
مشكلة الإشارات على سندات الملكية والطابو لم تحل حتى الآن، وهذا سيؤخر تنفيذ المشروع بالمقاسم المخصصة لأصحاب الأسهم، بينما المقاسم المخصصة للمحافظة بعيدة عن مثل هذه الإجراءات، وعلى الرغم من ذلك تم فتح باب التداول والتخصيص بالوقت نفسه، بعد أن تم تأجيل التخصص لعدة مرات، ووجود قوائم بمنع التخاصص بحجة وجود إشارات وقفية على الصحائف العقارية، علماً أن هذه الإشارات قديمة جداً بعضها من زمن العثمانيين، وباسم سلاطين عديدين منهم، كالسلطان سليمان وسليم وسنان وغيرهم، وقد تفاجأ الأهالي بهذه الإشارات على الصحائف، علماً أن بعض هذه الإشارات ليست بحاجة لمعاملة، ولكن الأوقاف حتى الآن لم تحسم أمرها برفعها، علماً بأن الحصة الوقفية تعادل 13% من إجمالي المساحة، ويتم الأخذ والرد مع الأوقاف من أجل أن تحصل على تلك الحصة الفعلية لها نقداً وليس أسهماً.
كما كان للتأخير بموضوع التخاصص أثراً كبيراً على مستوى السعي من قبل بعض التجار والسماسرة لشراء أكبر كمية من الأسهم، خاصة وأن الكثير من المالكين من أهالي المنطقة حصتهم السهمية الفردية صغيرة، وبالتالي يضطرون لبيعها لهذا أو ذاك من هؤلاء التجار، في استغلال مباشر لهؤلاء ومستفيدين عملياً وبشكل مباشر من التأخير في الإنجاز العام الذي سببته المحافظة.
17% هي ما سيتبقى للمالكين
أخيراً وبالحساب المساحة الخضراء من أرض التنظيم تعادل 30% منها، وحصة المحافظة تعادل 30% أيضاً، كما أن كلفة الترخيص على المالكين تعادل 15%، ومع حسم الرسوم الأخرى والنسبة المقتطعة للمتعهدين لاحقاً؛ فإن النسبة المتبقية للمالكين سوف تعادل17% فقط، يتناهبها حالياً العديد من التجار والسماسرة. فأين الـ 80% التي نص عليها المرسوم، وأين سيصبح هؤلاء الأهالي الذين وعدو خيراً من حسن تنفيذ هذا المرسوم على أرضهم المنسية منذ عقود، وهي في قلب العاصمة وفي أغلى رقعة جغرافية فيها؟
المحافظة هي الرابح الأكبر
إن ما جرى ويجري حالياً كله هو أن المحافظة استطاعت أن تضع يدها على ملكيتها المنصوص عنها بالمرسوم، مستفيدة من قيمتها الفعلية، الآنية والمستقبلية، وقد أقامت أولى منشآتها على مساحة تعادل 4 دونم، فيما تتباطئ بالتنفيذ العام للمشروع، حيث استطاعت خلال سنوات أربع، من البدء بتمهيد شارعين رئيسيين دون الخدمات العامة، ودون تزفيت أو رصف أو غيرها من المتممات، كما حفرت حفرتين فقط في الأرض المخصصة لها كمقاسم، علماً أن عدد المقاسم المخصصة للمحافظة بموجب المخططات هي 67 مقسماً، فيما المقاسم المخصصة للمالكين هي 165 مقسماً، لا يمكن البدء بها دون تنفيذ البنية التحتية التي من المفترض أن تنجزها المحافظة، ودون أن تحل الكثير من القضايا والتعقيدات والتشابكات التي تم ذكر بعضها أعلاه.
علماً أن المحافظة قامت بتعديل المخطط، كما قامت برفع عامل الاستثمار بما يحقق مصلحتها، فكيف لا تستطيع تذليل العقبات المعيقة للتنفيذ بما يحقق مصلحة المالكين والأهالي أيضاً؟
وبالمحصلة فإن المحافظة تعتبر الرابح الأكبر من المشروع التنظيمي، يتبعها التجار واالسماسرة الذين يستفيدون من التأخير، عبر استغلال الناس وحاجاتهم، خاصة أصحاب الملكيات الصغيرة التي تعادل 80% من إجمالي الملكيات.
وقد تندر أحدهم بالقول: «قال المحافظ أن أهل المزة رح يشوفوا ليلة القدر، بس الواقع أنو صرنا عم نشوف نجوم الظهر!».