مرسوم منح الجنسية.. نموذجاً عن قصور التنفيذ الحكومي

مرسوم منح الجنسية.. نموذجاً عن قصور التنفيذ الحكومي

كانت القرارات والمراسيم تصدر في ظل الحكومة السابقة والحالية أيضاً لتنفذ بشكل جزئي ومشوه في معظم المحافظات السورية، وبشكل أكثر تشوهاً في محافظة الحسكة على وجه الخصوص.

ولا داع هنا لذكر الكثير من القرارات والمراسيم التي اتسمت بهذه الصفة، فذكر بعضها يكفي، وتحديداً تلك التي تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين اليومية، وعلى حياة أجيال لاحقة بعدهم، فعلى سبيل المثال كان المرسوم الرئاسي 49 لعام 2011 واضحاً ولا يحتاج إلى تأويل وتفسير، فهو يعيد حقاً كان مسلوباً من مواطن سوري أباً عن جد، عندما يضمن إعادة الجنسية إلى مواطن عانى فقدانها نتيجة إحصاء 1962، وهؤلاء المواطنون هم الذين كانت المحافظة تسميهم بـ«الأجانب» و«مكتومي القيد»، ولكن تنفيذ هذا المرسوم جاء مشوهاً ومجتزءاً ما ساهم بخلق مشكلة جديدة يعانيها المواطنون في الحسكة، حيث أعيدت الجنسية إلى قسم منهم، وبقي قسم آخر محروماً منها حتى هذه اللحظة، وليس هناك أية إشارة مسؤولة تدل على أن هذه الشريحة المستثناة سوف تحصّل حقها في الشعور بالانتماء إلى هذا الوطن.

وليحسب المسؤولون عدد السنوات التي بقي فيها المواطنون محرومين من الجنسية ثم ليعيدوا التفكير بالأمر، فقد كان عددهم لا يتجاوز عشرات الآلاف في بداية المشكلة، أما الآن فهم بمئات الآلاف، والمكتومون الآن يقدر عددهم بـ10 إلى 15 ألفاً، وسوف يكون عددهم بعد 40 سنة أضعافاً مضاعفة.

إن الجهود الحكومية المبذولة على حل قضايا ومشكلات المواطنين العالقة تدل على الحقيقة، وتدل على ترابط الأمور وعدم جواز إهمال أي تفصيل منها، فوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل مثلاً قدمت مشروع دعم للأسر الفقيرة بمعونة مادية، فقسمت المجتمع إلى أربع شرائح واعتمدت المسح الاجتماعي لعام 2009، علماً أن هذا المسح لم يشمل جميع الأسر في الحسكة، بل لم يشمل إلا نسبة معينة من الأسر بطبيعة الحال، وقد اعتمدت الوزارة المسح رغم إشكالاته الكثيرة التي تجعل منه غير موضوعي، ومنها أنه منذ سنة إجراء المسح (2009) وحتى الآن تم تسجيل مئات الأسر الجديدة من جهة، وأن إحصاء عام 1962 أخرج شرائح واسعة جداً من المسح الذي اعتمدته الوزارة في تقديم الدعم لأبناء الحسكة من جهة ثانية، وبطبيعة الحال فإن أغلب الأسر غير المشمولة بالمسح تعيش الآن بلا دفاتر عائلة، وقد استثنيت من المسوح المتعلقة بالكثير من الخدمات ناهيك عن الدعم، وكل هذا نتيجة الإهمال والتقصير ومزاجية اللجان التي كلفت بإجراء المسح المتعلق بالدعم أولاً ثم بمنح الجنسية ثانياً.

واليوم، رغم إقرار وزارة الشؤون الاجتماعية بأن هناك شرائح لم يشملها المسح، ودعوة هذه الشرائح المهملة إلى التقدم لمراكز المسح الاجتماعي، إلا أن هذا التوجه الوزاري بقي حبراً على ورق ودون تطبيق، وبقي المحرومون من الجنسية محرومين منها، وكذلك محرومين من الدعم الذي يعد حقاً من حقوقهم وعلى الدولة تأمينه.

ناهيك طبعاً عن أن الدفعة الثالثة من مبلغ الدعم الاجتماعي لم تقدم إلى الشريحة الممسوحة أصلاً، علماً أنها اجتازت للاستحقاق شروطاً تعجيزية، وبقي الفقر يلف بيوت وأجسام أبناء الأسر المستحقة، دون أن تجد أحداً من المسؤولين يسأل في معاناة هؤلاء، أو في واجباته تجاههم وتجاه المواطن السوري أينما كان.