«حتى لو بدي موت»!

«حتى لو بدي موت»!

نتابع ها هنا سرد قصة (أم أحمد) المرأة المسنة التي ما تزال محتجزة في معسكر الطلائع في جنوب السويداء بعد هربها من داعش الذي استغرق عدة أيام..

تقول (أم أحمد): «هربنا من داعش، لأنهم دخلوا إلى قرية قريبة من قريتنا، وقد أخذ منا المهربون كل ما لدينا من نقود.. بقينا نمشي في البادية يوماً ونصف اليوم ووصلنا الزعتري، ثم أخرجونا وأوصلونا إلى هنا»

وعند سؤالها من الذي أوصلكم لباب المعسكر؟ قالت: «المهربون، سلمونا من واحد لواحد، من نقطة لنقطة، وآخر شيء سلمونا لواحد جابنا على باب المعسكر». وعلى باب المعسكر تم حجز وأخذ كل أوراقها الثبوتية، «إلى حين التحقق من أنها ليست مع داعش».

 داخل المعسكر

تلوذ أم أحمد بظل أحد جدران المعسكر، بينما تروي لمراسلنا قصتها، ويبدو عليها الانهاك الشديد. ويمكن الاستنتاج أن عمرها الكبير هو ما أعطاها فرصة «القليل من الفيء» لأنك تستطيع أن تجد داخل المعسكر مئات الناس المكومين جماعات جماعات في العراء وتحت الشمس.

عند دخول الزائر تطلب منه هويته واسم الشخص الذي يزوره، وتبقى الهوية عند البوابة لحين خروجه. في الداخل، ينتصب أمامك مبنى الإدارة، وحوله يتجمع مئات البشر يبحثون عن الفيء، وعلى الدرج (الإدارة في الطابق الثاني) يقف العشرات. عند دخول مراسلنا وجد هؤلاء في حالة من الصراخ الجماعي اليائس الذي يعلو حيناً ويخفت حيناً.. «سجلوني.. سجلوني»..

عند سؤالهم عن الشيء الذي يسجلون عليه، جاءت الاجابة أن لا أحد يستطيع الخروج من المعسكر إلا إذا سجل اسمه إلى إحدى المحافظات (حمص، حماة، حلب) إضافة إلى المسافرين إلى لبنان، وهؤلاء يشترط أن يكون لديهم حجز فندقي في لبنان.

 «وين ما بدك»!

عندما تدخل أعمق إلى قلب المعسكر، تبدأ المآسي بإعلان نفسها.. الهلال الأحمر وزع سفنجات وبطانيات لهؤلاء الناس وعند سؤالهم أين تنامون، أجاب أكثر من واحد منهم: «وين ما بدك! تحت شجرة، جنب حائط، في الساحة.. إلخ». الذباب ينتشر في كل مكان، والحشرات، وهناك بعض الأشخاص أكدوا أنهم لم يستحموا منذ أكثر من عشرة أيام. الطعام يحصلون عليه من الهلال الأحمر، وهو عبارة عن بعض المعلبات والفول والحمص، وهناك مكان يبيعون فيه خضار كالبندورة والخيار، ولكن لا يستطيع معظم القادمين إلى المعسكر الشراء لنفاد نقودهم وتشليحهم من قبل المهربين، بالإضافة إلى خوفهم على أطفالهم من الإسهال الذي سجلت حالات شديدة منه. أما المستوصف فلا يوجد فيه سوى أدوية قليلة جداً، رغم وجود مرضى سكري وضغط ..وهناك حالتان لمرضى سرطان..

سجل مراسلنا حالة شديدة التأثير، إذ وجد مريضي سكر يتقاسمان دواء أحدهما بعد أن انتهى دواء الآخر، رغم أنّ كليهما يعلمان أن هنالك احتمالاً كبيراً أن ينتهي ما بحوزتهما من دواء قبل انتهاء «التحريات»، وحين سألهما مراسلنا وماذا حين ينتهي الدواء أجابا.. «بدبرها الله»..

الحمامات قليلة، فالمكان بالأساس معسكر طلائع، للأطفال، وبني ليتسع لعدد محدد، أما الموجودون فهم بالمئات، والمياه قليلة، ومنظر الحمامات من الداخل مزرٍ. النساء يقفن في الدور بانتظار دخول الحمامات، أما الرجال فـ«يدبرون أنفسهم في العراء»!

«إشاعات»؟

تسري إشاعات في المعسكر أنهم سوف يخرجون الناس من المعسكر في السويداء إلى معسكرات أخرى، وهذا أخاف الناس ودفع بعضهم إلى الإحجام عن التسجيل. «لماذا لا يخرجونكم؟»، الإجابة حسب تقدير الموجودين هي أن «هناك قرار يمنع كل الذين جاؤوا عن طريق التهريب أو البادية، بالخروج إلى دمشق أو السويداء، ويجري تسجيلهم حسب النفوس، ثم تذهب القوائم الى دمشق، لتعرض على الجهات الأمنية، ثم تعود القوائم إلى المعسكر فيقوم المسؤولون بالمناداة من خلال مكبرات الصوت على الأسماء ويتم ترحيلهم في باصات كبيرة إلى المحافظة التي جاؤوا منها، ثم من هناك يذهب الشخص إلى حيث يريد»

وعندما يعترض هؤلاء بقولهم: «لكننا نريد الدخول إلى دمشق» يأتي الجواب: «ممنوع، بس توصل على محافظتك ارجع بالطرق النظامية إلى دمشق».

 أم أحمد التي أكد لها أحد الموظفين الذي تعاطف مع حالتها وصحتها المضعضعة أنها ستخرج خلال أيام قليلة، تقول لنا في نهاية حديثنا إليها: «لو أعرف هيك يدو يصير معي ما كنت إجيت» وتضيف: «كنت بقيت ببيتي أشرف لي، حتى لو بدي موت».