بعد رفع الدعم الاقتصادي: سوريون مصابون بالاكتئاب... فمن يدعمهم نفسياً..؟
انتهت حكاية الدعم التي طالما كانت الذريعة لدى حكوماتنا المتعاقبة عن رعايتها الأبوية للشعب، وأنها الثدي الحنون الذي لا ينقطع حليبه في أفواهنا المتشققة من الصبر وتحمل الأزمات بينما بعضنا تلمع أسنانه من كثافة الكلس والنعم.
الآن وبعد سلسلة رفع الأسعار، وسقوط المواد الأساسية من رف الدعم، وتحولها إلى جيب التاجر، وصار المواطن قشة تتقاذفها ريح الاحتكار والجشع وغياب الرقابة الحمائية، وبعد... وبعد... تفتح وزارة الصحة باب الحاجة لدعم جديد بسبب الأزمة الوطنية التي تتحمل الوزر الكبير في تحول أغلبنا إلى مرضى نفسيين؟.
40% يحتاجون دعماً نفسياً
التقرير الرسمي الذي صدر عن وزارة الصحة يؤكد أن:
نسبة ازدياد الاضطرابات النفسية وصلت إلى 25% عما كانت عليه قبل الأزمة وأن هناك 40% من عامة الناس باتوا اليوم يحتاجون إلى دعم نفسي اجتماعي، إضافة إلى محاولات انتحار لدى هؤلاء المرضى النفسيين في نسبة تصل إلى 15% لدى مرضى الاكتئاب وكذلك المرضى الذهانين وبالتأكيد هناك بعض محاولات تكون ناجحة.
نعم الأزمة بقسوتها هي من ألقت عقول السوريين خارج رؤوسهم، وجعلت منهم مرضى مستترين، وحجم الموت والضخ الإعلامي، ومشاهد الموت تركت في أنفسهم بؤراً لا يمكن ردمها بسهولة وهي تحتاج إلى برامج دؤوبة وحقيقية تساعدهم في العودة إلى طبيعتهم البسيطة الشفافة... ولكن كيف ومن هي الجهة المؤهلة والتي تمتلك الخبرة؟.
الأكثر تضرراً
الوزارة في تقريرها أكدت أن أكثر الفئات العمرية تضرراً هم الأطفال أولاً وذوو الاحتياجات الخاصة والمرضى المزمنون.
يبدو هذا الكلام الأكثر أهمية في كل تقرير الوزارة والسبب أن من استهدفتهم الأزمة، وأصابتهم بأعماقهم هم تك الشريحة الأكثر حساسية وشفافية، وهم الأطفال أولاً، وهذا يعني أن أجيالاً قادمة ستكون في مهب الإعاقات النفسية، وهي متنوعة ومختلفة، وشدتها ستكون بحسب قدرة كل واحد من هؤلاء على التحمل.
مراد (ح) أب لطفل مصاب بالجنون من ريف دمشق: القصة بدأت مع إطلاق نار خفيف في حيّنا، وقد حاولت مراراً أن أمنع أطفالي من مشاهدة التلفزيون، والتحول فقط لمشاهدة برامج الأطفال لكن هذا كله لم ينفع، فالأطفال يتحدثون في المدرسة، ويموت بعض زملائهم وهنا بدأت قصة ابني أحمد بالتطور، وصحته النفسية بالتدهور، وبدأ ينهار في الليل أكثر من أي وقت، ويهذي بعبارات مثل: لا أريد أن أموت... أنا أموت.
الوزارة... تشرح
تقرير الوزارة يشير إلى الأسباب المباشرة التي تؤدي إلى حدوث هذه الشدات النفسية التي تصيب المجتمع: (في الأوضاع الإنسانية الطارئة والأزمات والكوارث وغيرها تزداد الاضطرابات النفسية بسبب الشدات التي يتعرض لها الأفراد في المجتمع، وأن الأغلبية العظمى تتكيف وتتأقلم مع الوضع الجديد دون الحاجة إلى علاج أو حتى دعم نفسي اجتماعي والبعض بسبب الفقدان والخسارة التي يتعرضون لها في صحتهم أو ممتلكاتهم أو أعمالهم أو الأمن والطمأنينة وغيرها قد يحتاجون إلى دعم نفسي اجتماعي أو علاج نفسي دوائي وغالباً هذه الحالات تكون بين الخفيفة والمتوسطة).
وهنا لا بد من أن ننبه الوزارة المبجلة أن السوريين في أغلبهم خسروا على كل الأصعدة، فمن لم يخسر أخاً أو ابناً خسر بيته ورزقه، والبعض خسر عائلات بأكملها، هذا عدا عن الصدمات الكبرى في خسارات الأصدقاء والأقارب ممن غرقوا في رحلة الهروب إلى عالم يعتقدون أنه أكثر أمناً، وكل هؤلاء يقعون تحت خانة المحتاجين إلى دعم نفسي أو علاج دوائي.
الوزارة... تبشّر
الوزارة أيضاً تبشر بأنها مستعدة لاحتواء كل هذه الحالات، وأنه رغم أن هذه الأمراض ستزيد من حالات الطلب على الدواء إلا أن (الأدوية متوافرة في جميع المشافي والمراكز والعيادات التي تقدم الخدمة النفسية بكميات جيدة وكافية إضافة إلى تقديم كل أنواع العلاجات الطبية والنفسية حيث يقدم المعالجون النفسيون بعلاجات سلوكية ومعرفية وأسرية وغيرها من التواصل وتمكين الأفراد للتغلب على المشاكل والمساعدة في إيجاد الحلول لها).
الوزارة أيضاً تتحدث عن قاعدة علاجية كبرى في المشافي التخصصية والعيادات الفرعية في بعض المراكز الصحية، وأن مديرية الصحة النفسية تقوم بعملها على أكمل وجه من حيث وضع الخطط والبرامج ومتابعة الأدوية النفسية والإشراف الفني على خدمات الصحة النفسية في المشافي والمراكز الصحية والعيادات والمساهمة في تدريب الكوادر الصحية اللازمة لخدماتها والعمل على تطوير تشريعات الصحة النفسية وغيرها...ولكنها لم تذكر هذه الخطط والبرامج، وكيف ستكون بداية مشوارها في علاج 40% من مواطنيها المنهكين نفسياً..!؟
أمراضنا... نفسا اقتصادية
أعتقد أنه لا يجوز لي أن أصطلح (نفسا اقتصادية) كدليل على أن ما نعانيه عائد إلى فقدان الدعم المباشر لحياتنا الاقتصادية، وهو ما نقل العدوى للأبدان التي أضناها التفكير في سبل تأمين وسائل العيش الكريم مما أدى إلى هذا الخلل النفسي، فليس مفاجئاً لي أن أسمع عن أب يبيع أبناءه، أو امرأة فقدت زوجها فلجأت إلى ممارسة الدعارة أو التسول لتعيل أبناءها، وأعتقد جازماً أن أدواراً كان من الواجب لوزارات كالعمل والصحة مشتركتين أن تقوم بها بعد انتشار هذا الكم المخيف من أطفال الشوارع، والمتسولين من كل الأعمار، والمجانين الذين يتكاثرون، والعقلاء الذين دخلوا في (التوحد، والاكتئاب) وهناك أمثلة كثيرة..!
مفارقات
بحسب وزارة الصحة يوجد تشريع في سورية بخصوص الصحة العقلية إلا أنه يعود للعام 1953
صاغت وزارة الصحة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية تشريعات جيدة تتعلق بالصحة العقلية في عام 2010 لكن لم يتم التصديق عليها بعد.
عام 2011 تم إنشاء مديرية للطب النفسي بوزارة الصحة.