من الذاكرة: حقبة لم تستمر طويلاً
انزاح كابوس الديكتاتورية العسكرية عن صدر سورية في عام 1954، وتنفس الشعب الصعداء، لينطلق المد الوطني الرائع مستنهضاً كل طاقات شعبنا لتدشين فواتح الآمال والأماني، وتجسدها واقعاً ملموساً في كل ميادين الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية، يحققها نشاط عارم لملايين الناس الطيبين، وتبوأت سورية البطلة مكانتها اللائقة في عداد أوائل الدول الوطنية، وأصبح اسمها علماً معروفاً على صعيد العالم كله.
ومن عاش تلك المرحلة يذكر بوضوح وقد رأى بأم العين التوسع اللافت في إنشاء المدارس لكل المراحل التعليمية، وقيام العديد من النوادي الثقافية والفنية والرياضية، وافتتاح المكتبات العامة والمراكز الثقافية ودور السينما واتساع الميدان الصحافي بإصدار عدد كبير من الصحف والمجلات السياسية والعلمية، ووفرة غير مألوفة للكتب بجميع أنواعها ضمن سلسلات كروايات الهلال وكتاب الجيب والكتاب الفضي والذهبي وسلسلة «اقرأ»، واندفاع الناس وبخاصة الشباب إلى القراءة والمطالعة و«التباهي» بعدد الكتب التي قرأها كل منهم. وأنا واحد ممن «أدمنوا» على القراءة، ولتلك المرحلة يعود «الفضل» في غنى المعلومات الأساسية التي ساعدت في تبلور ثقافتي الذاتية العلمية والأدبية، وسأستعيد من الذاكرة بعضاً مما اختزنته من الأخبار والأقوال والوقائع التي ما برحت تفيد وتمتع:
- الانتخابات مسبقة الصنع: أعيد إلى العمل المذيع المعروف الأستاذ توفيق حسن – المسرح لأسباب سياسية زمن دكتاتورية أديب الشيشكلي، لأنه استطاع الدخول إلى غرفة النسخ في الإذاعة السورية قبل ثلاثة أيام من موعد انتخابات مجلس الشيشكلي، واطلع على أسماء النواب وهي تنسخ فيها، وقام «بفضح» ما رأى أمام الناس.
- عرفت الأصل: يتردد على ألسنة الناس القول الشعبي «تغدى وتمدى.. وتعشى وتمشى». وقد ظللت مدة طويلة أحاول أن أعرف مصدر هذا القول الشائع، إلى أن وجدته فيما كتب عن الحارث بن كندة الذي قال: إذا تغدى أحدهم فلينم على غدائه، وإذا تعشى فليخط أربعين خطوة.
- الدروس والعبر: الوطن يستصرخ أبناءه أن يوحدوا صفوفهم في سبيل غاية واحدة، وهي السير بوطنهم إلى شاطئ السلامة والخلاص، وأن يتعظوا من الماضي ويأخذوا منه درساً وعبرة! وإلا ذهبوا شذر مذر!
- اليوم وغداً: قال طاغور «أيها الظالمون.. إن الذين تقهرونهم اليوم، سيقهرونكم في الغد.
- المصيبة مازالت مستمرة: كانت مصيبة البلاد العربية منذ تأليف جامعتهم إلى اليوم أنها تتجاهل الواقع، وتغفل عن الواقع، وتدفن رأسها في الرمال فراراً من الحقائق!
- استأنفت صدورها: بعد أن أوقفها عن الصدور العهد الديكتاتوري للشيشكلي، عادت جريدة «الصرخة» لصاحبها الأستاذ أحمد علوش إلى الصدور بحلة قشيبه.