الرسمي «حبر على ورق» وأحاديث عن رفع سعر المازوت إلى 85 ليرة
«لا يوجد مازوت... نشتري التنكة بـ1800 ليرة»، بهذه الكلمات يستقبل سائقو «السرافيس» بدمشق زبائنهم، في نية الحصول على أجر زائد يفوق التسعيرة المحددة من قبل محافظة دمشق وفرع المرور، أو لتبرير عدم تخديمهم كامل الخط المحدد لهم أوقات الذروة، بحجة أن ذلك يسبب لهم «خسارة كبيرة» بظل هذه الأسعار.
وزارة النفط والثروة المعدنية، ووزارة التجارة الداخلية لم تعلنا بشكل رسمي عن أي دراسة لرفع سعر المحروقات أو حتى سعر لتر مادة المازوت بالمنظور القريب، وهو ما نفاه أحد المصادر لـ«قاسيون» بالقول إنه «هناك دراسة حالية لرفع سعر اللتر إلى 85 ليرة بعد أن كان بـ61 ليرة سورية».
التواطؤ والاحتكار
وبحسب جولة قامت بها «قاسيون» على بعض محطات وقود دمشق وريفها، تبيّن وجود تفاوت في الأسعار- إن توفرت المادة-، وقد يصل السعر إلى 120 ليرة للتر الواحد وخاصة في المحطات الخاصة، وذلك بحجة صعوبة نقل المادة وزيادة التكاليف على أصحاب الصهاريج، وغيرها من المبررات، ورغم التزام المحطات الحكومية بالتسعيرة الرسمية إلا أن المادة غير متوفرة فيها بشكل كافي، وبعضها لا تتوفر فيها المادة لأيام متتالية بحسب بعض الشكاوى.
وبحسب شكاوى أخرى، فقد «أوقفت بعض الكازيات بيع المازوت بعد علمها بنية رفع الأسعار قريباً، ما دفعها إلى احتكار المادة لبيعها بالسعر الجديد».
كثير من المواطنين بدأوا يشتكون تلاعب أصحاب السرافيس بالتسعيرة وعدم تخديم الخطوط وسط عدم رقابة الجهات المعنية نهائياً، بحجة عدم توفر مادة المازوت، ما زرع لديهم المخاوف من فصل الشتاء القادم، وخاصة وأن المادة «فقدت» بحسب سائقي السرافيس وبعض «الكازيات» خلال فترة الصيف التي لا تشهد استهلاكاً كبيراً للمادة كفصل الشتاء البارد.
الكازيات تفضل السوق السوداء!
أحد سائقي سرافيس (ركن الدين الشيخ خالد)، برر مخالفته للتسعيرة وتخديم الخط بأن «الكازيات تمتنع عن بيع السرافيس مادة المازوت بعض الأحيان، وأحياناً أخرى يضطر السائقون للانتظار على طابور محطة الوقود لساعات طولية فجراً، وفي النهاية قد لا يحصلون على الكمية التي يريدون وبسعر أكثر من 61 ليرة المحدد رسمياً» مشيراً إلى أنه «بات من شبه المستحيل الحصول على المادة بالسعر النظامي الذي بات حبراً على ورق».
وتابع «نرى بأم أعيننا ما تقوم به الكازيات، فهي تفضل أصحاب الصهاريج والباعة الجوالين والأصدقاء المقربين علينا، ما يستنفذ كمية المازوت في الكازية قبل حصولنا عليها» مشيراً إلى أن «هذا التفضيل جاء من استغلال الكازية لهؤلاء وبيعهم المادة بحدود الـ75 ليرة إلى 85 ليرة كونهم يبيعون المادة في السوق السوداء بأسعار تفوق الـ100 ليرة».
الفساد يرفع أجرة المواصلات
وأردف «قلة مادة المازوت في الكازيات، وتوفرها لدى تجار السوق السوداء، جرنا إليهم، فنحن اليوم نشتري المادة من التجار بسعر يتراوح ما بين 95 و 100 ليرة، دون الوقوف على طابور الكازيات، وأحياناً يقوم هؤلاء التجار بتوصيل المادة إلينا لكن بسعر يفوق الـ100 ليرة».
وبدوره، شرح سائق سرفيس آخر على الخط ذاته، قائلاً إن «اعتمادنا على السوق السوداء أثر على ربحنا، فبتنا نضع تسعيرة جديدة، ونقسم الخط أكثر حتى نستطيع الحصول على ما يسد الرمق».
واتهم السائق «الكازيات» بـ«التواطؤ بتهريب المادة إلى خارج سورية» على حد تعبيره، قائلاً «هناك صهاريج ضخمة تعبئ المادة من الكازيات ونحن لا نحصل إلا على كميات قليلة بعد الانتظار لساعات، فإلى أين تذهب هذه الكميات الضخمة؟، أنا متأكد أنها بهدف التهريب».
وبدوره قال أحد أصحاب الصهاريج، والذي يعمل بين دمشق ودرعا إنه يقوم بشراء المازوت من الكازيات الخاصة بسعر 95 ليرة سورية للتر الواحد، ويقوم بدوره ببيعه في درعا بـ140 ليرة سورية.
180 ليرة للتر المنزلي!
مبلغ الـ95 ليرة والـ100 ليرة كثمن لتر المازوت الواحد، كان أقل بكثير من المبلغ الذي طلب من «أيمن»، وهو مواطن عادي بدمشق يسعى إلى تأمين المادة لزوم فصل الشتاء خوفاً من ارتفاع سعرها رسمياً أو انقطاعها بشكل نهائي.
وفي هذا السياق قال أيمن «طلبت من أحد تجار السوق السوداء تأمين 200 لتر من المازوت لزوم فصل الشتاء، فطلب مني مبلغ 180 ليرة للتر الواحد، وحذرني بان المادة ستنقطع قريباً من السوق وسيرتفع سعرها رسمياً».
وتابع «بدأ التسجيل على مخصصات فصل الشتاء من المازوت، لكن غالباً لا يحصل الجميع على حقه من المادة حتى فصل الصيف التالي نتيجة عدم توفر المادة، ما يعني عدم الاستفادة منها، وهنا لابد من السوق السوداء».
مخاوف المواطنين بدأت بعد شكاوى أصحاب السرافيس من نقصان المادة «الحاد» وارتفاع سعرها، ما دفعهم للعجلة بالحصول على كميات معينة من المادة قبل فصل الشتاء من السوق السوداء، وخاصة وأن توزيع الحصص كان قد تأخر في سنوات سابقة للعام الذي تلاه.
تبرير رسمي
لكن من وجهة نظر مدير شركة «محروقات»- دمشق سهيل نخلة في تصريحات صحفية، فإن «هناك انخفاضاً كبيراً في شراء المادة من المحطات الحكومية، فضلاً عن أنّ نسبة ضئيلة من إجمالي عدد الطلبات المقدمة من المواطنين للحصول على المادة تنفذه الشركة بشكل يومي»، مشيراً إلى أنّ الشركة لم تتلق أي شكاوى عن تجاوزات تحصل في المحطات الحكومية.
وهنا يؤكد أصحاب السرافيس وجود المادة في المحطات الحكومية لكن بكمية لا تكفي الحاجة، حتى أن مشهد الطوابير عليها بانتظار الدور، بات «مرعباً»، فقد لا يحصل السائق على الكمية التي يريدها إلا بعد 5 أو 6 ساعات إن حصل عليها، على حد تعبيرهم.
وكان تقرير صادر عن «شركة المحروقات» بيّن، أنّ خطتها للعام الجاري تضمنت إنشاء أربعة خزانات بترولية للمازوت والبنزين بسعة 6000 م3 في منطقة «الصبورة» بسعة 1500 م3 لكل خزان، يضاف إلى ذلك مشروع لإنشاء مستودعات بترولية للمازوت والبنزين في بعض المناطق الآمنة بدمشق وريفها بسعة 40 ألف م3.
وتم إعداد دفاتر الشروط للمشروعين وإدراجهما ضمن البرنامج المادي للخطة الاستثمارية للشركة، إضافة إلى مشاريع لإنشاء سعات تخزينية للغاز السائل في كل من ريف دمشق بسعة 6000 طن، والسويداء بسعة 1000 طن، تم إدراجها بالخطة الاستثمارية للشركة، إلى جانب مشروعات لإنشاء محطات وقود في كل من السويداء وطرطوس وحماة وهي قيد إعداد دفاتر الشروط الفنية.
التوزيع ضمن الإمكانيات!
مدير عام شركة «المحروقات» محمود يوسف كرتلي، أكد أنه خلال شهر آب ستتم المباشرة بتنفيذ طلبات مازوت الشتاء للمواطنين في دمشق وريفها، علماً أن التنفيذ بدأ في بعض المحافظات كإدلب والسويداء وغيرها، وذلك «ضمن الموارد والإمكانات المتاحة»، ما قد يشير إلى نقصان في المادة استناداً لآخر جزء من حديثه.
وتلافياً لازدواجية الطلبات كما حصل في سنوات سابقة، أضاف «الشركة قامت بتجربة افتراضية على موضوع تسجيل طلبات المواطنين للحصول على مخصصاتهم من مادة المازوت الشتوي، عبر شبكة الكترونية موحدة تربط جميع المراكز، وذلك منعاً لازدواجية تقديم الطلبات».
وأشار إلى أن «التجربة نجحت بعد ظهور اسم صاحب الطلب وبياناته الشخصية والتفصيلية على الحواسيب المربوطة على تلك الشبكة الإلكترونية، الأمر الذي يمنع ازدواجية تقديم الطلبات».
وتابع «ستساعد الضوابط الحالية على تتبع خط سير المادة وتوزيعها وضبط كمياتها وحركة السيارات المسؤولة عن التوزيع، كما سنطالب مديريات التموين في دمشق وريفها سؤال كل سيارة عن دفتر الفواتير عندها، وإلا سيتم اتخاذ إجراءات قاسية بحقها».
وتوقع كرتلي أن يصل عدد طلبات الحصول على المازوت العام الحالي إلى ذات رقم العام الماضي، حيث وصل عدد طلبات المازوت الشتوي في 2013 إلى نحو 120 ألف طلب للمواطنين، تم تنفيذ 109 آلاف طلب منها، والباقي امتنع عن الحصول على المادة بإرادتهم.
وجميع ما ذكر من المصادر الرسمية لم يشر بشكل مباشر إلى إمكانية تغطية الطلبات في موعدها، أو إلى توفر المادة أو شحها حتى، وهذا ما تعاني منه دمشق ويؤثر سلباً على المواطنين بشكل يومي وخاصة فيما يتعلق بالمواصلات.
مخصصات الشتاء مهددة
وكشف مصدر مطلع في وزارة النفط والثروة المعدنية وجود «دراسة حالية لرفع سعر لتر المازوت من 61 إلى 85 ليرة سورية»، مشيراً إلى انتهاء عقد موقع سابقاً مع إيران بخصوص توريد المادة إلى سورية، ومن المتوقع التعاقد مع فنزويلا لإرسال المادة».
وحذر المصدر بأنه «إن لم تصل المادة من فنزويلا فإنه سيكون من الصعب جداً تأمين المازوت لزوم فصل الشتاء لجميع المواطنين نتيجة شحها». وأشار المصدر إلى وجود ما وصفه بـ«مشكلة إدارية» في وزارة النفط والثروة المعدنية نتيجة إقالة المدير المعني بمادة المازوت، ما أدى إلى حصول خلل بتوزيع المادة وتأمينها.