نشاط الحكومة «السياحي».. في البازار العقاري
مراقبة النشاط الحكومي في الفترة الأخيرة، تودي إلى استنتاج يبدو غريباً بداية، ولكنه يجد تفسيراً له في ظروف الأزمة والحرب.
ومفاد هذا الاستنتاج بأن الحكومة تولي قطاع السياحة الكثير من اهتمامها، وأموالها أيضاً!، وهذا النشاط السياحي لا يقتصر على تخصيص رئيس مجلس الوزراء جزءاً هاماً من زياراته للمشاركة في تدشين منتجعات، و(مولات)، وفنادق، في دمشق، وطرطوس واللاذقية، فقط!، بل يمتد إلى استثمار أموال وأراضي الدولة في شراء العقارات السياحية، وبيعها.
ترى هل من الصعب إدراك أن التعويل على السياحة في ظروف الحرب، هو تعويل غير منطقي؟! بالتأكيد لا.. فالحكومة تستطيع أن تدرك جيداً بأن تراجع السياحة موضوعي، في ظل تحول سورية إلى واحدة من أخطر دول العالم بتصنيفات عالمية، وبسبب استحالة تأمين أغلب العائلات السورية لجميع حاجاتها الرئيسية، وتخليها منذ زمن طويل عن الإنفاق على الترفيه والسياحة الداخلية بمستوياتها، لذلك ينبغي البحث عن تفسير آخر للنشاط السياحي الحكومي.
المولات والفنادق المدشنة، تعود بجزء منها، إلى كبار المقترضين من المصارف العامة السورية، والذين أدرجت أسماء بعضهم ضمن قائمة المتعثرين عن سداد القروض التي بلغت 233 مليار ل.س، لتكون عمليات النشاط السياحي في العام الرابع للحرب السورية، هي أحد أشكال تسوية القروض المتعثرة، بملكيات سياحية عقارية.
أما وزارة الزراعة، ومديرية الحراج والإصلاح الزراعي، فتتجه إلى استثمار أموالها وأراضيها بالتشارك مع (القطاع الخاص السياحي)، حيث أعلنت عن توقيعها لعقدي استثمار سياحة بيئية، مطعم في اللاذقية على مساحة 5 دونمات، ومنتجع على 20 دونم في السويداء بمبلغ 185 مليون ليرة، وهذا وفق تصريحات لمدير الحراج في جريدة تشرين بتاريخ 30-11-2014.
أموال التأمينات الاجتماعية المسحوبة من رواتب العمال، لضمان تقاعدهم، وضمان عائلاتهم في حالات الحوادث، تدخل أيضاً ركب الاستثمار السياحي العقاري، فالمؤسسة التي تمتلك من السيولة ما يقارب 70 مليار ل.س، جزء كبير منها موزع كديون على الوزارات الأخرى، تستثمر أموالها وديونها في السياحة أيضاً، وتحديداً في شراء العقارات والأراضي.
حيث اشترت المؤسسة في أيلول 2014 فندقاً في مدينة الحسكة بغرض استثماره!، وبقيمة 675 مليون ل.س مقتطعة من ديونها على مجلس المدينة، ساهمت كذلك بنسبة 15% من قيمة أرض تعود للشركة السورية للسياحة مساحتها 152 دونم، في منطقة أشرفية صحنايا، وبقيمة 795 مليون ل.س.
فهل فعلاً لا تمتلك الجهات العامة أن تسدد ديونها للتأمينات الاجتماعية إلا بإطفاء الديون بالعقارات، وأين المبالغ المقتطعة من الرواتب إذاً؟! وما الفائدة من تجميد أموال العمال السوريين في عقارات، مقابل غياب أي توسيع للاستثمار الحقيقي، والتشغيل، والإنتاج، الذي يزيد من أموال التأمينات ذاتها! وما مبرر أن يستثمر مستثمرون مساحات زراعية كبرى في اللاذقية والسويداء في نشاط سياحي، بينما تخرج مساحات كبرى من الإنتاج الزراعي!
إن التركيز على النشاط السياحي، لا يعود إلى اعتقاد الحكومة بأن السياحة ستنشط كقطاع يحقق موارد في ظروف الحرب، بل يتضح من طبيعة الاستثمارات السياحية بأن المستهدف هو النشاط العقاري، وإدخال ملكيات الدولة، في بازار بيع وشراء الأراضي والعقارات المنتعش في ظروف الحرب. تخلي الحكومة عن النشاط الاقتصادي، وميلها نحو منطق السوق المضاربي، هو النتيجة الطبيعية في بلد تتقاطع فيه مصالح الفساد والسياسات الاقتصادية إلى حد التطابق.