شهود العيان.. «فتبينوا»!
جالساً بأمان الله، محاطاً بجدران منزلك في «مشروع دمر»، تفاجئك قناة «العربية» بشهود عيان ينقلون إلى عقر دارك أخباراً سريعة وخفيفة: «مظاهرة حاشدة في ركن الدين» يا سلام، يتبعه خبر آخر: «مظاهرة حاشدة في داعل/درعا» يا لطيف.. تشعر بأن الشوارع تغلي خارج حدود واقعك الضيق، بينما أنت جالس في مكانك أو تراوح في حدود الكنبة!.
ترفع الموبايل (وسيلة العصر المثلى للاستعانة بشاهد عيان)، وتتصل بصديق لك في ركن الدين- فالاطمئنان واجب، وإذ بالمظاهرة الكبيرة المزعومة عبارة عن عشرات يشيعون قريبهم الذي وافته المنية «طبيعياً» هناك.. تلقي التحية وتغادر سماعة صديقك بلطف.
تنسل إلى سماعة صديقك الدرعاوي: ماذا عن داعل؟ تشاء المصادفة ألاّ يكون صديقك قريباً من الحدث، وتشاء أيضاً أن يكون فرغ للتو من مشاهدة ما شاهدته أنت على «العربية»، بعد أن سبقك إليه صديق ثالث ليسأله عن الموضوع نفسه، فيؤكد لك ضاحكاً: « مظاهرة قديمة عمرها أسابيع على الأقل»!.
تفقد الأمان فجأةً، وتشعر بالضيق، لم تعد متصالحاً حتى مع جدران منزلك: هل هي حقيقية أم يتوجب عليّ الاتصال بشاهد عيان لأتأكد أيضاً؟!.
هذه القصة المنمقة حقيقية من حيث الجوهر، وقد حدثت حقاً بكل تفاصيلها، والفرق الوحيد أنها حدثت باللهجة العامية.. ولابد أنك عايشت ما يشبهها فسعيت لتجيد اختيار الشاهد/ الصديق بغية التحقق من الأمر.
ولا شك طبعاً أن الحياة اليومية مليئة بقصص صادقة، تماماً كما هي مليئة بقصص مثل هذه تسكبها في مسالك الإدراك قنوات أخرى محلية أو أجنبية، إذ ليس كل ما ينشره الإعلام المحلي صادقاً، ولا كل ما ينشره الإعلام المستورد كاذباً.. «فتبينوا»!.