العودة الطوعية أم القسرية؟ تحديات اللاجئين السوريين في ظل المتغيرات السياسية

العودة الطوعية أم القسرية؟ تحديات اللاجئين السوريين في ظل المتغيرات السياسية

في أعقاب سقوط النظام السابق في سورية نهاية عام 2024، وفي اليوم التالي للسقوط مباشرة قررت السلطات في الدنمارك والنرويج والنمسا وفرنسا واليونان وفنلندا تعليق النظر في طلبات اللجوء المقدمة من قبل سوريين. تشهد قضية اللاجئين السوريين تحولات جذرية، سواء على مستوى السياسات الدولية أو الواقع الميداني. فبينما تسعى بعض الدول إلى تشجيع العودة "الطوعية"، تحت حجة أن الوضع أصبح آمناً، يتم ابتزاز الحكومة الحالية واستخدام ملف اللجوء ككل كأحد أدوات الضغط على السلطة الحالية، وتلوح في الأفق مخاطر العودة القسرية تحت ضغوط اقتصادية أو أمنية، وسط تحذيرات من انتهاكات حقوقية وتحديات معيشية تعيق إعادة الدمج. 

  1. السياق السياسي: من تجميد اللجوء إلى ضغوط العودة

أعلنت عدة دول أوروبية، مثل ألمانيا والسويد، تجميد معالجة طلبات اللجوء الجديدة للسوريين مؤقتاً، بحجة انتظار استقرار الأوضاع السياسية والأمنية في سورية. وليست الضغوطات الأوروبية وآخرها زيارة وزيري خارجية النمسا وألمانيا إلا جزءاً من سياسة واضحة في هذا الاتجاه اليوم. وعلى الرغم من تأكيد المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) على ضرورة ضمان حق اللجوء وعدم الإعادة القسرية، إلا أن هذه الخطوات تعكس توجهاً أوروبياً نحو تقليل أعداد اللاجئين، عبر الربط بين عودتهم وإعادة إعمار سورية. 

من ناحية أخرى، تشهد دول الجوار – مثل لبنان وتركيا – تصعيداً في سياسات تضييق الخناق على اللاجئين، عبر تقييد حركتهم وفرص العمل، مما يدفع البعض إلى "الاختيار" بين البقاء في ظل ظروف معيشية قاسية أو العودة إلى سورية، حتى مع عدم استقرار الأوضاع. 

 

 

التحديات الأمنية والمعيشية: لماذا يعاني العائدون؟

رغم الادعاءات الرسمية بتحسن الأوضاع، توثق تقارير حقوقية انتهاكات جسيمة يتعرض لها كثيرون. أما على الصعيد المعيشي، فإن البنية التحتية المدمرة تشكل عائقاً رئيسياً. فمدن مثل حلب ودمشق تعاني من شحّ المساكن وارتفاع أسعار الإيجارات بنسبة 300%، بينما لا يتجاوز متوسط الدخل الشهري 140 دولاراً، مما يجعل العودة غير قابلة للاستدامة. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى حاجة سورية إلى 400 مليار دولار لإعادة الإعمار، وهو مبلغ بعيد المنال في ظل العقوبات الدولية، مثل قانون "قيصر" الأمريكي، الذي يعيق الاستثمارات الخارجية. 

 

العودة القسرية: بين الضغوط السياسية والمخاطر الإنسانية 

رغم التأكيدات الرسمية على "طوعية" العودة، تشير تقارير إلى ممارسات قسرية غير مباشرة. ففي لبنان، على سبيل المثال، تجري عمليات مداهمة للمخيمات واعتقالات جماعية للاجئين، تليها ترحيلات عبر معابر حدودية غير آمنة. وفي تركيا، أُعيد آلاف السوريين إلى مناطق شمال غرب سورية. 

من جهة أخرى، تروج بعض الحكومات لبرامج "زيارات استطلاعية" تهدف إلى تطمين اللاجئين بشأن ظروف العودة، لكن هذه الزيارات لا تغطي المخاطر الأمنية طويلة الأمد، ولا توفر ضمانات دولية.

 

الجهود الدولية: بين الدعم المحدود والعقبات السياسية 

تحث المفوضية السامية للاجئين الدول على احترام مبدأ عدم الإعادة القسرية وضمان معالجة طلبات اللجوء بشكل فردي. كما تدعو إلى تعاون دولي لتمويل إعادة الإعمار، لكن العقوبات المفروضة على سورية تعقد هذه الجهود. 

وبينما تسعى دول مثل ألمانيا وفرنسا إلى فتح قنوات اتصال مع الحكومة السورية الحالية، لدعم الاستقرار شكلياً كشرط مسبق لعودة اللاجئين، لكن هذه الخطوات تتعارض مع ممارسات تهدف إلى تهجير قسري بطريقة غير مباشرة. 

 

مستقبل اللاجئين: نحو حلول مستدامة 

لا تكفي العودة الجغرافية لتحقيق الاستقرار، بل يجب أن تكون العودة آمنة، كريمة، ومستدامة، وهو ما يتطلب: 

- رفع العقوبات الاقتصادية. 

- دعم مالي لإعادة بناء البنية التحتية وخلق فرص عمل. 

- مشاركة المجتمع الدولي في مراقبة عمليات العودة وحماية الحقوق.

رغم التغيرات السياسية الأخيرة، تظل عودة اللاجئين السوريين حلماً بعيداً في ظل استمرار التحديات الأمنية والاقتصادية. فالعودة القسرية – سواء عبر الضغوط أو الترحيل المباشر – تنتهك الحقوق الإنسانية وتُعمق الأزمة، بينما تتطلب العودة الطوعية استثمارات ضخمة وضمانات دولية. في هذا السياق، يبقى السؤال الأكبر: هل ستتحول الدعوات الدولية إلى أفعال ملموسة، أم ستظل سورية وحيدة في سجل النزاعات المنسية؟