التطورات في السودان: دخول الصراع عامه الثالث وتداعياته الإنسانية
تدخل الحرب السودانية عامها الثالث وسط تصاعد العنف وتفاقم الكارثة الإنسانية التي خلفت عشرات الآلاف من القتلى، معظمهم مدنيون، بالإضافة إلى نزوح أكثر من 15 مليون شخص وانتشار المجاعة والأمراض. الصراع الذي اندلع بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بزعامة محمد حمدان دقلو (حميدتي) في أبريل 2023، تحول إلى أزمة متعددة الأبعاد تهدد استقرار البلاد وتؤثر على المنطقة بأسرها.
في الأيام الأخيرة، شهد النزاع تطورات عسكرية خطيرة.
الهجوم المضاد لقوات الدعم السريع وسيطرتها على مخيم زمزم
شنت قوات الدعم السريع هجوماً معاكساً بعد طردها من العاصمة الخرطوم ومناطق واسعة من غرب ووسط البلاد حيث تركز الهجوم على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور. سيطرت القوات على مخيم زمزم، أكبر مخيمات النازحين في المنطقة الذي يأوي نحو نصف مليون شخص. أسفر هذا الهجوم عن مقتل مئات المدنيين، بينهم نازحون وعاملون في المنظمات الدولية. وقد وصفت الأمم المتحدة هذه الحوادث بأنها "جرائم حرب"، وسط تقارير عن فظائع وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
ووفقاً لمصادر محلية، قُتل أكثر من 320 شخصاً في هجمات قوات الدعم السريع على مخيمي زمزم وأبو شوك، بما في ذلك نساء وأطفال وعاملون في المجال الإنساني. كما تم الإبلاغ عن مقتل جميع أفراد آخر طاقم طبي متبقٍ في مخيم زمزم، مما يزيد من معاناة النازحين الذين يعتمدون على المساعدات الإنسانية. بينما نفت قوات الدعم السريع هذه الاتهامات، تتزايد الضغوط الدولية لمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم.
يُحلّل خبراء عسكريون أن الهدف من هذا التحرك هو التمدد شمالاً نحو الحدود الليبية لتأمين خطوط الإمداد اللوجستي من ليبيا وتشاد، وتثبيت السيطرة على ولايات غرب وجنوب السودان. في الوقت نفسه، يسيطر الجيش السوداني على المناطق الشرقية والشمالية، مما يشير إلى خطر تقسيم البلاد بشكل فعلي.
ردود الفعل الدولية: الإمارات في دائرة الاتهام
على الصعيد الدولي، تواجه الأزمة السودانية ردود فعل متباينة. وقد اتهمت الحكومة السودانية دولة الإمارات بدعم قوات الدعم السريع، وهو ما نفته أبوظبي بشدة. وفي خطوة غير مسبوقة، رفعت الحكومة السودانية دعوى ضد الإمارات أمام محكمة العدل الدولية، متهمة إياها بتقديم دعم عسكري وتمويلي لقوات الدعم السريع، مما ساهم في تفاقم النزاع.
من جانبها، وفي محاولة لرفع التهم الموجهة لها في دعم قوات الدعم السريع، أكدت الإمارات -عبر مساعدة وزير الخارجية للشؤون السياسية ، لانا نسيبة- أن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لا يمثلان الشعب السوداني، وأن الحل يجب أن يكون مدنياً يعتمد على مشاركة النساء والشباب والمجتمع المدني. كما دعت الإمارات إلى محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات في دارفور ومخيمي زمزم وأبو شوك، وطالبت بفتح المعابر الحدودية لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية.
مؤتمر المانحين في لندن: دعم محدود دون حلول جذرية
في 15 نيسان / أبريل، استضافت المملكة المتحدة مؤتمراً للمانحين بالتعاون مع ألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، بهدف معلن جمع 800 مليون دولار لدعم السودان. أعلنت لندن عن مساهمة بقيمة 159 مليون دولار، وأكد وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي أن "وجود السودان الآمن والمستقر أمر حيوي لأمننا القومي". ومع ذلك، اعترضت الحكومة السودانية على عدم دعوتها للمشاركة في المؤتمر، كما انتقدت دعوة دول تتهمها الخرطوم بدعم قوات الدعم السريع. كما انتقدت الحكومة السودانية مساواة مؤسسات الدولة ومن ضمنها الجيش بالمتمردين.
ووصف مراقبون المؤتمر بأنه جاء في ظل عدم وجود جدية دولية لحل الصراع بشكل جذري. بل إن الجهود الدولية تبدو موجهة نحو تجميد النزاع وتخفيف تداعياته الإنسانية، خاصة على الدول الأوروبية التي تخشى تدفق اللاجئين، وهو ما قد يساهم في إطالة أمد الصراع بدلاً من إنهائه.
استمرار الأزمة وتصريحات حميدتي
في سياق موازٍ، أعلن حميدتي عن نيته تشكيل "حكومة السلام والوحدة" كتحالف مدني واسع، مشيراً إلى خطط لطباعة عملة جديدة وإصدار وثائق هوية جديدة. ومع ذلك، تبقى هذه التصريحات محل شك في ظل استمرار الاقتتال وعدم وجود أفق واضح للسلام.
أزمة متعددة الأبعاد تحتاج إلى حلول عاجلة
تستمر الحرب في السودان في حصد الأرواح وتدمير البنية التحتية، بينما تتفاقم الأزمات الإنسانية مع تزايد النزوح وانتشار المجاعة... يحتاج السودان إلى وقف فوري لإطلاق النار، وحوار سياسي شامل، يحفظ وحدة البلاد لمنع تحول الأزمة إلى كارثة إقليمية تطال جواره والعالم أجمع.