انهيار المنظومة الدوائية واقع صحي يهدد حياة المرضى وسط غياب الرقابة

انهيار المنظومة الدوائية واقع صحي يهدد حياة المرضى وسط غياب الرقابة

تواجه سورية اليوم أزمة دوائية متفاقمة باتت تهدد الصحة العامة بشكل مباشر، حيث يعاني المواطنون من فقدان أعداد كبيرة من الأصناف الدوائية الأساسية، خاصة أدوية الأمراض المزمنة والخطرة، وسط غياب شبه تام للدور الرقابي والتنظيمي من الجهات المختصة.

وتتركز الأزمة في اختفاء أو ندرة الأدوية الضرورية لمرضى الضغط، وأمراض القلب، والسكري، والسرطان، والأمراض المناعية، وهي أدوية لا غنى عنها لاستمرار الحياة، وتُعد حجر الأساس في علاج ملايين المرضى، وغالباً ما يكون مستهلكوها من كبار السن والمتقاعدين، ممن لا يملكون القدرة المالية لتحمل أعباء ارتفاع أسعارها أو شرائها من السوق السوداء.

إلى جانب ذلك، يتواصل فقدان حليب الأطفال بشكل كبير، ما يهدد صحة شريحة واسعة من الرضع في مختلف المحافظات، في ظل غياب أي بدائل لتعوض هذا النقص الحاد. ويُعد حليب الأطفال من الضروريات التي لا تقبل التأجيل، ما يجعل غيابه خطراً صحياً وإنسانياً من الطراز الأول.

من جهة أخرى، تسود الفوضى آلية توزيع الأدوية من قبل المعامل والمستودعات، حيث لم يعد الهدف تلبية الحاجة المرضية، بل تعظيم الربح، من خلال تقنين توزيع الأصناف المطلوبة، ورفع أسعارها بشكل غير رسمي، أو فرض شراء أصناف غير مطلوبة على الصيدليات كشرط للحصول على الأدوية المطلوبة.

ترافق هذا الواقع مع غياب تام للنشرات السعرية الرسمية، وانعدام الالتزام بها، ما أدى إلى انفلات في التسعير، واختلاف كبير بين صيدلية وأخرى، وتكريس لواقع استغلالي يُثقل كاهل المرضى.

وتفاقم الوضع مع الانتشار الواسع للأدوية المهربة، التي لا تخضع لأي رقابة من حيث الجودة أو الفعالية أو سلامة المصدر، ما يشكل خطراً إضافياً على حياة المرضى، في وقت يُفترض فيه أن يكون الدواء ملاذ الأمان لا مصدراً للتهديد.

وفي ظل هذه الفوضى الصحية، تغيب وزارة الصحة عن أداء دورها الرقابي والتنظيمي، وتغيب معها نقابة الصيادلة عن حماية الصيدلي والمريض على حد سواء، ما يفتح الباب أمام استغلال واضح لا يجد من يردعه أو يضع له حداً.

إن هذه الأزمة الدوائية باتت كارثة صحية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وتتطلب تدخلاً فورياً وحاسماً من الدولة والجهات الرقابية لضبط السوق، وتوفير الأدوية الأساسية، وتسعيرها بشكل عادل، وضمان وصولها إلى المرضى بعيداً عن أي استغلال أو ابتزاز، حمايةً لحق المواطن في الصحة والعلاج.