الملف الأوكراني يدخل المرحلة النهائية

الملف الأوكراني يدخل المرحلة النهائية

تشير التطورات المتسارعة في الملف الأوكراني دخوله المرحلة الأخيرة، حيث يجري حراك سياسي دولي من مختلف الأطراف، تحضيراً وتجهيزاً لوضع اللمسات الأخيرة قبل الوصول والإعلان عن اتفاق سلام ينهي الحرب.

هذا الحراك السياسي، وحتى العسكري، نجد تعبيراته لدى كل من روسيا والولايات المتحدة وأوكرانيا والدول الأوروبية، بأشكال مختلفة.

ففي الولايات المتحدة، صرح الرئيس المنتخب دونالد ترامب عن إجرائه ترتيبات لعقد اجتماع قمة بينه وبين نظيره الروسي فلاديمير بوتين، مؤكداً: أن التوصل لاتفاق حول أوكرانيا مستحيل دون الحوار مع روسيا، ورداً على ذلك قالت موسكو: إن بوتين مستعد للقاء ترامب دون أي شروط مسبقة.

وأعلن نائب الرئيس الأمريكي المنتخب، جي دي فانس، بضعة أفكار حول خطة ترامب لإنهاء النزاع في أوكرانيا، تضمنت احتفاظ روسيا بالأراضي الأوكرانية التي سيطرت عليها، وجعل خطوط التماس الحالية منطقة منزوعة السلاح، وإعطاء ضمانات لأوكرانيا تؤمن سيادتها، وضمانات لروسيا أن تبقى كييف محايدة، ولا تنضم لحلف شمال الأطلسي.

وتشير روسيا بطرق غير رسمية، إن شروطها حول اتفاق مع أوكرانيا تتضمن تعديل دستوري يشمل رفض الانضمام لأي تكتل عسكري، والاعتراف بشبه جزيرة القرم ودونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزاباروجيا أراضٍ روسية، ونزع الأسلحة الأوكرانية، والقضاء على النزعات النازية والقومية المتطرفة.

وفي هذا السياق كله، صرح الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، مارك روته، أن كييف حالياً ليست بوضع يسمح لها بالتفاوض مع موسكو من موقع قوة، قائلاً: «في الوقت الحاضر، لا تستطيع أوكرانيا التفاوض من موقع قوة».

على الأرض، تستمر روسيا بتقدمها العسكري على طول خط الجبهة، وكان من آخرها السيطرة على قريتين جديدتين في منطقة دونيتسك، كما أعلنت عن استعادتها السيطرة على ثلثي منطقة كورسك الروسية.

في المقابل، وأمام كل هذه التطورات، يحاول زيلينسكي برفقة الأطراف المتشددة أوروبياً وأمريكياً ما يستطيعون لعرقلة طريق المفاوضات، والتصعيد أكثر، الأمر الذي يشير بدوره إلى مدى جدية اقتراب هذه المفاوضات، ليصرح زيلينسكي مجدداً عن شرطه بالتنازل عن الأراضي الأوكرانية، مقابل دخول بقية أوكرانيا في حلف الناتو، ويجري ما سمي باتفاق الشراكة المئوية مع المملكة المتحدة، والتي تتضمن مساعدة لندن لكييف بإعادة تمكين البنية التحتية العسكرية الأوكرانية، والتعاون في المجال العسكري، والسماح للندن باستخراج المعادن في الأراضي الروسية، ويناقش مع الرئيس الفرنسي إمكانية إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا، وهي كلها محاولات لتعقيد المشهد السياسي من جهة، وتصدير دعاية داخلية بتحسن ما من جهة أخرى.

أما عسكرياً على الأرض، فقد أعلن الجيش الأوكراني صراحة، في الـ 14 من الشهر الجاري، أنه قد شن «أكبر» هجوم له منذ بدء المعركة الروسية الأوكرانية، مستهدفاً مواقع صناعة وعسكرية في العمق الروسي، باستخدام صواريخ أتاكماس.

ومثل هذا الهجوم يهدف للضغط على روسيا وإحراجها ودفعها لتصعيدٍ مقابل، يؤدي إلى نسف المفاوضات الحالية، وتصعيد وتعقيد الصراع أكثر، إلا أن موسكو اكتفت بالقول: إن ردها سيكون قادماً، وما يفهم من ذلك، أن هذا الرد سيكون سياسياً في سياق المفاوضات، وحل الصراع لمصلحتها هي بالضبط، ليكون «الهجوم الأوكراني الأكبر منذ بدء المعركة» بمثابة «دغدغة» عابرة لروسيا، حتى الآن على الأقل.

إذا ما استكمل طريق حل الصراع الأوكراني، مقابل تطويق وإفشال محاولات التصعيد والتخريب من الجهات المتشددة والمتطرفة غربياً، وكُلل بالنجاح، ووفقاً للظروف والمعطيات الحالية، فإنه يعني وباختصار: انتصار ساحق روسي خصوصاً، وشرقي عموماً، على الغربيين مجتمعين والولايات المتحدة بالتحديد، ما سيتبعه دومينو أزمات وتحولات تتفجر داخل الدول الغربية كنتيجة طبيعية لهذا الأمر.