بالتفاصيل… نتائج ضربة إيران في 1 أكتوبر وتداعياتها

بالتفاصيل… نتائج ضربة إيران في 1 أكتوبر وتداعياتها

بعد أنَّ أطلقت إيران ضربةً موجعةً إلى الكيان الصهيوني في 1 أكتوبر الجاري، ظهر ارتباكٌ واضحٌ داخل الكيان ترافق مع حملة تعتيم ٍكبيرة ٍمنعت خروج أيّة تفاصيل دقيقة عن حجم وطبيعة الأضرار، وهو ما فتح مجالاً لكثيرٍ من المشككين في نجاح أهداف «عملية الوعد الصادق» الإيرانية، فما الذي نعرفه حتى الآن عن هذه الضربة؟

من المثير للاهتمام أن المعلومات حول الضربة لا تزال شحيحةً وذلك رغم مرور أكثر من أسبوعين عليها، ولكن بعض التسريبات تبدو كافيةً لبناء صورةٍ أوّلية، وهذا حتى لو تجاهلنا المصادر الرسمية الإيرانية.

 

أثر التعتيم على المعطيات

بناءً على كلّ ما سبق سينصب تركيزنا على ما نشرته وسائل الإعلام "الإسرائيلية" والغربية، ومصادر أخرى مستقلة، وعلى هذا الأساس تكون نقطة البداية من اللقطات التي صورتها كاميرات المستوطنين وبعض الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، التي وثّقت سقوط عشرات الصواريخ البالستية على أهداف عسكرية تابعة لجيش الاحتلال، متجاوزةً كلَّ الدفاعات الجوية الصهيونية والأمريكية، لكن التحرك الإعلامي السريع أعاق وصول وتداول هذه اللقطات، وأعلن جيش الاحتلال أن كلَّ الصور التي توثق مواقع الصواريخ الإيرانية أو الأضرار التي ألحقتها داخل «إسرائيل»، هي ممنوعةٌ من العرض ومحجوبةٌ من قبل جيش الاحتلال. وهذا الإجراء أثّرت بشكلٍ كبيرٍ على توثيق نتائج الضربة، ولكي تتضح الصورة أكثر ينبغي الإشارة إلى أن سلطة الاحتلال اعتقلت الصحفي الأمريكي جيريمي لوفريدو، وحوّلتهُ إلى القضاء، ووجهت إليه اتهاماتٍ يمكن أن يأخذ على أساسها حكماً بالسجنِ مدى الحياة أو حتى الإعدام، هذه القضية التي لا تزال تتطور حتى اللحظة تكشفُ مدى صعوبة تسريب أي معلوماتٍ عن الضربة، ولكنّها تؤكد في الوقت ذاته أنَّ لدى «إسرائيل» الكثير مما تخفيه بشأن ما حصل في 1 أكتوبر.

 

طبيعة الاستهداف وحجم الأضرار

تشير المعطيات التي سنعرضها أن الصواريخ الإيرانية استهدفت بشكلٍ أساسي قواعد نيفاتيم وهاتريم وتل نوف الجوية الحساسة، ومنشآت الغاز في عسقلان جنوب فلسطين المحتلة، بالإضافة إلى المقر الرئيس لجهاز الاستخبارات الخارجية «الموساد»، لتكون قائمة الأهداف الإيرانية قد ركّزت على المواقع العسكرية، وتحديداً تلك الضالعة بشكلٍ مباشرٍ بالعدوان على غزّة ولبنان، والتي يفترض أن تكون على صلة مباشرة بسلسلة الاغتيالات التي نفذها جيش الاحتلال مؤخراً، والأهم أن قاعدة نيفاتيم هي القاعدة الجوية الاستراتيجية التي تحتوي على 3 أسراب من المقاتلات الأمريكية الشبحية F35 التي تعد من أكثر المقاتلات الحربية تطوراً.

وبالرغم من أن وزير الدفاع الصهيوني يوآف غالانت قال من قاعدة نيفاتيم بعد الضربة: «عجز الإيرانيون حتى عن خدش سطح قدرات القوات الجوية، ولم تصب طائرةٌ واحدةٌ، ولم يغلق سربٌ واحدٌ»، ومع أنَّ المعطيات الموجودة بين أيدينا لا تكفي لتأكيد إصابة الطائرات بشكلٍ مباشر، إلا أن "معاريف" قالت إن الضربة «ستؤثر سلباً على الدفاع الجوي الإسرائيلي»، وأكّدت أنَّ نيفاتيم تضررت بشكلٍ جسيم، وفي الوقت الذي أقرّت فيه إذاعة جيش الاحتلال بتضرر القواعد فإنها أشارت إلى أنّ البنية التحتية لم تتضرر، فيما نقلت وسائل إعلامٍ عن مصدر «إسرائيلي» قوله إنِّ: «الصواريخ تسببت بأضرارٍ في المباني الإدارية الموجودة ضمن القواعد الجوية».

أما وسائل الإعلام الغربية فقد قدّمت بعض التفاصيل الإضافية، فوكالة أسوشييتد برس أشارت إلى وقوع أضرار بأسقف صف المباني قرب المدرج الرئيس في القاعدة، بالإضافة إلى مستودع طائراتٍ بالقاعدة العسكرية، بينما أكّد موقع أكسيوس نقلاً عن مسؤولٍ «إسرائيلي» أنَّ عشرات الصواريخ الإيرانية أُطلقت على مقر جهاز الاستخبارات الخارجية دون أي معلومات حول نجاح هذه الصواريخ بالوصول إلى هدفها.

 

معلومات كشفتها الصحف «الإسرائيلية»

خلال الساعات 48 الماضية بدأت صحافة العدو بنشر تقارير حملت أرقاماً مثيرة للاهتمام حقاً، فعلى ما يبدو استطاع بعض الصحفيين التدقيق في بعض المعلومات من شركات التأمين والضرائب، والتي باتت بحوزتها بياناتٌ تفصيلية عن الأضرار الناتجة عن شظايا هذه الصواريخ أو عن تلك التي أصابت أهدافاً "مدنية" بالقرب من القواعد العسكرية المستهدفة، ومن الجدير بالذكر أنَّ كل ما جرى تداوله في هذه التقارير يعرض الأضرار "المدنية" حصرياً، دون أي ذكرٍ للصواريخ التي سقطت في القواعد العسكرية، ولكن حجم هذه الأضرار يعكس إلى حدٍ كبير وزن هذه الضربة. فكشفت يديعوت أحرونوت أن حوالي 2200 شقة تضررت جراء الهجوم، هذا بالإضافة إلى أضرارٍ في المطاعم الموجودة في محيط مبنى الموساد المستهدف، والتي لا تزال مغلقة حتى الآن تنتظر أعمال الترميم، وتؤكد أنَّ الأضرار التي لحقت بالممتلكات كانت كبيرة، مشيرةً إلى أن التقديرات الأولية للخسائر المسجلة تتراوح بين 150 إلى 200 مليون شيكل «حوالي 40 إلى 53 مليون دولار أمريكي» وقالت أيضاً إنِّ إجمالي الخسائر في الممتلكات التي تسببت فيها هجمات الصواريخ والطائرات المسيّرة التي أطلقها حزب الله والحرس الثوري الإيراني تجاوزت حتى الآن مليار شيكل «266 مليون دولار تقريباً».

وفي السياق ذاته نشرت جيروسلم بوست تقريراً آخر حول القضية ذاتها، وأضافت أن 2500 طلب جرى تقديمها خلال الأسبوع الذي تلى الضربة الإيرانية ترتبط كلّها بأضرارٍ ناتجة عن الضربة الإيرانية الأخيرة، وكان أكثر من نصفها يتركّز على الأضرار التي لحقت في منشآت في شمال تل أبيب بالقرب من مبنى القيادة المركزية للاستخبارات.

فيما أشارت مصلحة الضرائب وفقاً للمصدر ذاته، أن «هيئة الضرائب الإسرائيلية» دفعت 1.5 مليار شيكل تعويضاً عن الممتلكات المتضررة منذ عملية طوفان الأقصى وحتى اليوم، فيما قالت الهيئة إن هناك دفعات أخرى معلّقة تصل إلى 1 مليار شيكل إضافية.

 

حول قضية لوفريدو

كانت سلطات الاحتلال اعتقلت يوم 8 تشرين الأول الجاري الصحفي الأمريكي جيريمي لوفريدو كما أشرنا سابقاً برفقة 4 صحفيين آخرين، ونقلت تقارير أنَّ قوات الاحتلال قامت بضرب الصحفيين وتعصيب عيونهم قبل اعتقالهم، ليوجّه إلى لوفريدو تهمة «مساعدة العدو في وقت الحرب» وذلك على إثر تقرير استقصائي مصوّر أعدّه الصحفي لصالح موقع «Grayzone» ونجحت محاميته بالحصول على إطلاق سراح مشروط، منع فيه من مغادرة «إسرائيل» وحجزت السلطات جواز سفره الأمريكي.

وكان لوفريدو وثّق بعض الأضرار التي استطاع الوصول إليها بمحيط نيفاتيم وأخذ شهاداتٍ من بعض الجماعات البدوية المستقرة بصحراء النقب بالقرب من القاعدة الجوية، وأشار إلى أن عشرة صواريخ على الأقل ضربت القاعدة من الداخل جرى توثيقها على الكاميرات، وصوّر محيط القاعدة والأسلاك المحيطة بها التي جعلت من تصوير ما في داخلها أمراً مستحيلاً.

ثم انتقل من الجنوب إلى تل أبيب ووثق انتشار المطاعم والمرافق العامة بالمنطقة الملاصقة لمبنى الاستخبارات وقام بتصوير بعض الأضرار الجسيمة التي لحقت ببعض السيارات، والطرق وهي ما تبقى من آثار الهجوم قبل أن يتم إخفاؤها.

كيف تحاول «إسرائيل» سدّ ثغراتها؟

أكّدت قوات جيش الاحتلال أنَّ عملية «الوعد الصادق 2» تألّفت بشكلٍ أساسي من هجوم بصواريخ بالستية، ونفت أن تكون طِهران استخدمت أسلحةً فرط صوتية، بينما لم تقدّم تفسيراً حول الخلل الواضح في اعتراض هذه الصواريخ، وكيف وصلت إلى أهدافها، بل إنِّ سؤالاً آخرَ ظلَّ دون إجابة يرتبط بمحدودية انخراط الأسطول الأمريكي السادس المتمركز في شرقي البحر المتوسط قبالة سواحل سورية وتركيا في اعتراض الصواريخ، إذ تحدّثت الأرقام الرسمية أنَّ السفن الأمريكية اعترضت 12 صاروخاً في مقابل عشرات الصواريخ جرى صدّها في هجوم نيسان الماضي، وقّدمت يديعوت أحرنوت تفسيراً يستحق الذكر، وهو أنَّ قِلّة عدد الصواريخ التي أسقطتها الولايات المتحدة «لا يُرَدّ إلى ضعف الأداء الأمريكي» بل لعوامل أخرى ترتبط «بتقنين الذخائر» ونقلت الجريدة عن مصادر أمريكية القول إن: «دعم [إسرائيل] خلال هجومين في غضون بضعة أشهر أدى إلى استنزافٍ خطيرٍ لمخزون الصواريخ الاعتراضية الموجودة لدى الأسطول السادس، وكان على الجيش الأمريكي أن يكون مقتصداً، نظراً للمهام العديدة الموكلة للأسطول» والمرتبطة حسب المصدر «بحلف شمال الأطلسي».

وأشارت الصحيفة العبرية أيضاً إلى أنَّ هناك بالفعل فجوات في نظام الدفاع الجوي «الإسرائيلي» استطاعت إيران تحديدها «والتسلل عبرها لضرب الأهداف»، وعلى هذا الأساس تداولت التقارير أنَّ واشنطن قررت تزويد الكيان بمنظومة «ثاد - THAAD» والتي يجري الحديث عنها ضمن اتجاهين: الأول يرتبط بالتهديدات الصهيونية بتوجيه ضربة إلى إيران، وبالتي يُتوقّع أن تتبعها ضربة أوسع وأشد من قبل طِهران، وهو ما يستوجب الاستعداد على أعلى مستوىً ممكن.

أما الاتجاه الثاني فيشير إلى أنَّ «إسرائيل» باتت مكشوفة وهي بحاجة لتدعيم دفاعها الجوي بشكل سريع واستثنائي، وخصوصاً أنَّ المنظومة الأمريكية كانت مستخدمة بالفعل داخل الولايات المتحدة قبل أن يجري نقلها، وهي واحدة من أصل 9 منظومات تعمل حول العالم، 7 منها كانت موجودة على الأراضي الأمريكية وذلك بحسب جريدة نيويورك تايمز الأمريكية.

يفترض بناءً على هذه المعطيات أن تعمل «THAAD» بشكل متكامل مع المنظومة الصهيونية «حيتس» لكن هذه المظلة الجوية لن تكون قادرة إلا على اعتراض بضع مئات من الصواريخ بأحسن الأحوال، هذا على فرض أنّ الدفاعات أصابت أهدافها بدقة، وبحسب تقرير نيويورك تايمز المشار إليه، من الممكن أنَّ يستخدم THAAD لا لاعتراض الصواريخ فحسب، بل لاعتراض حطامها أيضاً، نظراً للأضرار الكبيرة التي يمكن أن تسببها شظايا الصواريخ.

ماذا يعني نشر THAAD في «إسرائيل»؟

وهناك معلومات حساسة إضافية ترتبط بهذه المنظومة، إذ إنَّ القوات الأمريكية اتخذت قراراً بنشر 100 مقاتل أمريكي داخل الكيان لتشغيل المنظومة، ما يعني تطوراً خطيراً بالمعنى السياسي والعسكري فذلك يعني انخراطاً أكبر وبشكلٍ مباشرٍ في الصراع وعلى الأرض، هذا إلى جانب أنَّ نقل هذه المنظومة من الأراضي الأمريكية إنما يعكس إلى حد كبير طبيعة المعركة الجارية، وخطورة نتائجها لا على الكيان الصهيوني وحده، بل على مستقبل الدور الأمريكي في المنطقة.

وتثير بعض الأرقام الأخرى قلقاً جدياً داخل الولايات المتحدة، فبحسب مكتب الميزانية بالكونغرس الأمريكي تصل تكلفة البطارية الواحدة من هذا النظام إلى 800 مليون دولار وتحتاج 30 مليوناً كمصاريف تشغيلية سنوياً، لكن المشكلة الأكبر تكمن في أن الجيش الأمريكي يملك حسب الأرقام المعلنة إجماليّاً يقدّر بـ 800 صاروخ فقط هي حصيلة 15 سنة من التصنيع، ويتراوح معدل الإنتاج السنوي الحالي من 60 إلى 80 صاروخاً! أي أن هجوماً إيرانياً آخر مشابهاً لـ «الوعد الصادق 2» يمكن أن يستهلك الإنتاج الأمريكي السنوي كاملاً، هذا إذا كانت الأرقام المعلنة صحيحة فعلاً.

ويرتبط نشر هذه المنظومة بقضية حساسة أخرى، وهي أن الرادار الأساسي المستخدم فيها يستطيع العمل بشكل متزامن مع كافة رادارات THAAD الموجودة في المنطقة المحيطة، وهذا ما يقودنا إلى أن الإمارات العربية المتحدة وهي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تملك بالفعل بطاريات من هذا النظام ستكون جزءاً من شبكة  الرادار هذه حتى دون أن تتخذ القيادة السياسية الإماراتية قراراً بذلك، ما يمكن أن يوتّر العلاقة بين إيران ودول الخليج بما يتسق مع المساعي الأمريكية والصهيونية.