لماذا كان «فرح» الكيان وحلفائه باهتاً باستشهاد السنوار؟!
ليس من الصعب أن يلاحظ المتابع لوسائل الإعلام «الإسرائيلية» والغربية عموماً، وكذلك لاستطلاعات الرأي المختلفة، أن «حالة النشوة» التي رافقت اغتيال الكيان لقيادات في المقاومة خلال الشهرين الماضيين، وخاصة اغتيال إسماعيل هنية وحسن نصر الله، قد تقلصت بشكلٍ كبيرٍ مع اغتيال يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، والقائد الفعلي لطوفان الأقصى.
العوامل التي تجعل من حالة «الفرح» و«النشوة» في أوساط الكيان والأوساط الأمريكية والغربية مع اغتيال السنوار، أقل منها في سابقاتها من عمليات الاغتيال، متعددة ومتداخلة، ولكن بين أهمها ما يلي:
أولاً: من طبائع الأمور وسنن الحياة أن أي شيء يتكرر، يفقد مع الوقت بريقه ولمعانه، ولذا يمكن القول إن عمليات اغتيال القادة المتكررة، قد دخلت في هذا المجال؛ أي في حالة التخامد من حيث التأثير الذي تحدثه.
ثانياً: من سنن الحياة أيضاً، أن الأشياء التي تبدو جديدة وغير مسبوقة، تفتح خيالات الناس على احتمالات وآفاق جديدة، ولذا فإن الاغتيالات المتتابعة لقيادات المقاومة سمحت للمخيال «الإسرائيلي» و«الغربي» بالغرق ساعة من الزمن في نشوة أحلام اليقظة، بما في ذلك أحلام إعادة رسم الشرق الأوسط بما يتناسب مع السيادة المطلقة للكيان والعبودية المطلقة للشعوب. ولكن بعد أن انتهت السَّكْرة المؤقتة، أثبتت المقاومة في الميدان أنها ما تزال على أتم الاستعداد لتكبيد العدو خسائر فادحة، وأنها ما تزال في الدرجات الأولى من سلم التصعيد الذي تستطيع ارتقاءه بشكلٍ تدريجي... الأمر الذي بدد النشوة العابرة، وجعل من أي «إنجازات» جديدة، موضوع تساؤل وقلق من العواقب ضمن مجتمع المستوطنين.
ثالثاً: الشكل البطولي الذي استشهد به السنوار، مقاتلاً حتى اللحظة الأخيرة، فرض سردية مختلفة كل الاختلاف عن تلك التي أرادها الصهيوني، وكرس مزيداً من التلاحم بين الشعوب حول العالم وبيَّن خيار المقاومة، ليس بوصفه الخيار الوحيد الصحيح فحسْب، بل والخيار الأكثر أخلاقيةً والأكثر رفعةً وسمواً أيضاً...
رابعاً: مع تكرر الاغتيالات واستمرار المقاومة بدورها بشكلٍ كاملٍ، سقطت الأوهام التي تتعامل مع حركات المقاومة بالمنطق نفسه الذي يتم التعامل به مع تنظيمات إرهابية من طراز داعش أو النصرة أو القاعدة؛ فإذا كانت التجربة التاريخية للأمريكان في التعامل مع هذه التنظيمات ابتداءً من دعم تشكيلها ومروراً بتوظيفها، ووصولاً إلى تطويقها وإنهائها، قد علمتها أن ضرب الرؤوس يسمح بتفتيت هذه التنظيمات وإضعافها بشكلٍ هائل، فإن التجربة التاريخية مع حركات المقاومة وحركات التحرر الوطني، هي تجربة مختلفة جذرياً؛ فالحاضن الفعلي لحركات المقاومة هي الشعوب، على عكس التنظيمات الإرهابية، ولذا فإن عمليات الترميم وتوليد قيادات جديدة، ليست فقط أمراً ممكناً دائماً ضمن حركات المقاومة، بل إن التجربة تقول إن كل جيل جديد من القيادات يكون أكثر جذريةً وثباتاً من سابقه...
بسبب هذه العوامل وغيرها، فإن حدود تأثير سياسات الاغتيالات، التي هي سياسة إرهابية حتى بمقاييس القانون الدولي، هي حدود ضيقة في نهاية المطاف، وشرط ضِيقها هو استمرار العمل المقاوم وتصعيده... وهذا ما يجري على الأرض بشكلٍ ملموس.