ماذا وراء «المبادرة الأمريكية-الفرنسية» لهدنة من ثلاثة أسابيع؟
أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، اليوم الخميس 26/أيلول، وخلال جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي لمناقشة الوضع في لبنان بعد توسع العدوان «الإسرائيلي» عليه، عن مبادرة مشتركة أمريكية-فرنسية لما أسماه «وقف إطلاق نار مؤقت لمدة 21 يوماً لفتح الباب للتفاوض»، وأضاف أن بنود هذه المبادرة ستصبح معلنة في وقت قريب، وأنه يعول على «الطرفين»، في الموافقة عليها.
وبمجرد الإعلان عن المبادرة، سارعت عدة دول لإعلان دعمها لها، بينها: أستراليا، كندا، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، السعودية، الإمارات، وقطر.
بالتوازي، صدر تصريح صحفي عن مكتب رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو، نفى فيه أخباراً قالت إنه وافق على المبادرة، وأكدت أنه أعطى توجيهاته لمتابعة الضربات على لبنان وبقوة.
وعلى الطرف المقابل، جرى أيضاً تداول خبر عن أن رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي وخلال وجوده في نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة، قد وقع على هذه المبادرة، ولكن صدر خبر رسمي عن مكتبه بعد ذلك ينفي توقيعه على أي مبادرة.
محتوى المبادرة؟
كما هي العادة مع هذا النوع من المبادرات التي يطلقها الأمريكي، والتي رأينا عدداً كبيراً منها بما يخص غزة، فإنها دائماً ما تكون غامضة وغير معلنة البنود.
المعلن بشكلٍ رسمي هو ما قاله وزير الخارجية الأمريكية بلينكن، الذي وضح -انسجاماً مع الطرح «الإسرائيلي»- أن الهدف هو إعادة المستوطنين المهجرين من الشمال إلى مستوطناتهم، قائلاً: «إن أفضل طريقة لتحقيق ذلك لا تكون من خلال الحرب، ولا من خلال التصعيد... بل من خلال اتفاق دبلوماسي يقضي بسحب القوات من الحدود، وخلق بيئة آمنة، وعودة الناس إلى ديارهم».
بالنسبة للتسريبات الصحفية حول المبادرة، فقد تناولت عدة صحف غربية بينها الإندبندنت البريطانية وغلوبال نيوز الكندية، بعض التفاصيل المفترضة التي من الممكن أن المبادرة قد تضمنتها. بين هذه البنود:
- هدنة لمدة 21 يوماً.
- الطرف الثاني في الهدنة، مقابل الكيان، سيكون الحكومة اللبنانية وليس حزب الله (ولكن بالاتفاق بطبيعة الحال).
- خلال الهدنة تجري مفاوضات واسعة تشمل الوضع اللبناني والفلسطيني، بما في ذلك استعادة الأسرى «الإسرائيليين» ووقف النار في غزة.
ماذا وراء المبادرة؟
إذا حاولنا المقارنة بين هذه المبادرة وبين المبادرات المتلاحقة التي أطلقها الأمريكي بما يخص غزة، يمكننا أن نلحظ استهدافين أساسيين:
أولاً: بالمقارنة، فقد بدأ الحديث عن وقف إطلاق نار مؤقت على الجبهة اللبنانية، في وقتٍ قياسي مقارنة بما جرى بعد 7 أكتوبر... وهذا لا تفسره أحداث 7 أكتوبر وحدها، بقدر ما يفسره الفهم الأمريكي-«الإسرائيلي» لحجم الجبهة الجديدة وإمكاناتها وخطورتها من جانب، ولحجم الاستنزاف التراكمي للكيان من جانب آخر... بما يوحي بأن قدرة الكيان على تحمل استنزاف طويل الأمد، هي بالضرورة أقل منها بما يخص غزة، ولذا لم تكد الأمور تتصاعد حتى بدأنا نسمع بمبادراتٍ للحل، بغض النظر عن مدى مصداقيتها.
ثانياً: مسارعة كل من الولايات المتحدة وفرنسا لإطلاق مبادرة حول الحل، مع وضوح أنها ليست جدية، المطلوب منها هو احتلال موقع «الوسيط» بشكلٍ مسبق، على أمل التحكم بعملية «التفاوض» وبالمعركة نفسها، ومنع أطراف أخرى من الدخول، خاصة الطرفين الصيني والروسي.
أبعد من ذلك، فإننا أمام مفصل جديد في استراتيجية الفوضى الهجينة الشاملة الأمريكية في منطقتنا؛ فإذا كان أحد أغراض العدوان المستمر على غزة، هو رفع درجة حرارة الإقليم بأسره لدفعه نحو انفجارات داخلية تستند إلى تفعيل التناقضات الداخلية، فإن توسيع المعركة بشكلٍ كبير باتجاه لبنان، يشكل خطوة إضافية نحو التصعيد الشامل الذي يتعارض مع رسمة الفوضى الهجينة الشاملة.
من المفيد أن نتذكر تصريحات جاك سوليفان قبل أشهر، والتي حدد فيها المهمة الأساسية في غزة في حينه، بأنها الانتقال من العمليات العالية الكثافة إلى العمليات المنخفضة الكثافة، ما يعني ضمناً الانتقال نحو النمط المناسب لإطالة أمد المعركة قدر الإمكان...
كل تصعيد إضافي، سواء ما جرى ويجري في الضفة الغربية، أو على الجبهة اللبنانية، أو من جهة الحوثيين، أو باتجاه العراق أو إيران، من شأنه أن يهدد معادلة الفوضى الهجينة الشاملة من جهة، ومن شأنه أيضاً أن يكثف عملية الاستنزاف التي يعيشها الكيان من جهة ثانية.
بكلامٍ آخر، كلما زادت درجة التصعيد التي يدفع الصهيوني باتجاهها، كلما انخفضت إمكانيات تمديده زمنياً... وهذا ما يفسر إلى حد بعيد طريقة التعاطي المنضبطة التي يمارسها حزب الله ضمن معادلة الاستنزاف المتواصل التدريجي...
بالعودة إلى المبادرة، وضمن هذا الفهم، ورغم أنها تبدو وهمية حتى اللحظة، إلا أنها هي نفسها أو شبيهاتها، من المرجح أنها ستتكاثر خلال الفترة القريبة القادمة...