الرئيس الأرجنتيني والمهمات التخريبية

الرئيس الأرجنتيني والمهمات التخريبية

بقلم فيرا بيرجينجروين/بوينس آيرس

عن مجلة التايم البريطانية بتصرف

ربما يكون رئيس الأرجنتين خافيير مايلي رئيس الدولة الأكثر غرابة في العالم. فمنذ وقت ليس ببعيد، كان يعمل خبيراً اقتصادياً ومحللاً تلفزيونياً معروفاً باسم "إل لوكو" - أي الرجل المجنون - بسبب انفعالاته البذيئة. وغالباً ما طغت غرائبية حملته على برنامج التقشف الصارخ الذي روج له لإخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية. ولوّح مايلي بالمنشار في المسيرات ليرمز إلى خططه لخفض الإنفاق الحكومي، وأخبر الناخبين أن كلاب الدرواس الإنكليزية الخمسة التي يملكها، هم "أفضل الاستراتيجيين" لديه. فقد تعهد بإلغاء البنك المركزي للبلاد، وسخر من تغير المناخ باعتباره "مؤامرة اشتراكية"، ، وفاز بأغلبية ساحقة في انتخابات تشرين الثاني الماضي.

يصف مايلي نفسه بأنه "رأسمالي فوضوي" وقد تعهد بتفكيك الدولة. وقال خلال الحملة الانتخابية: "دعوا كل شيء ينفجر، دعوا الاقتصاد ينفجر، ويأخذ معه هذه الطبقة السياسية القذرة بأكملها".

منذ توليه منصبه، قام مايلي البالغ من العمر 53 عاماً، بتجميد مشاريع الأشغال العامة، وخفض قيمة البيزو بأكثر من 50%، وأعلن عن خطط لتسريح أكثر من 70 ألف موظف حكومي. وحتى الآن، ترى دلائل تشير إلى نجاح "علاج الصدمة" الاقتصادي. حيث أشاد صندوق النقد الدولي بالتقدم "المثير للإعجاب" الذي حققته الأرجنتين. وقد ألقى مايلي خطاباً للأمة احتفالاً "بالمعجزة الاقتصادية" المتمثلة في أول فائض ربع سنوي في ميزانية البلاد منذ عام 2008. ويعتقد مايلي أنه يقود نهجاً من شأنه أن يصبح مخططاً عالمياً.

وفي حين تعهد مايلي بأن "الطبقة السياسية" ستتحمل العبء الأكبر، إلا أن إجراءاته التقشفية أثرت على الأرجنتينيين العاديين. ولا يزال معدل التضخم السنوي يقارب 300%، وهو من بين أعلى المعدلات في العالم. لقد اضطر العديد من الأرجنتينيين إلى حمل أكياس النقود حتى لإجراء المعاملات الصغيرة؛ وتخلت بعض المتاجر عن ملصقات الأسعار تماماً. وقد أدت تحركات مايلي التي تضمنت قطع المساعدات الفيدرالية، وإلغاء دعم النقل والطاقة، والتخلص من الضوابط على الأسعار إلى ارتفاع تكاليف المعيشة. ويعاني أكثر من 55% من الأرجنتينيين من الفقر، مقارنة بـ 45% في كانون الأول الماضي.

وحين شرع في جولة دولية، صور نفسه على أنه مقاتل صليبي عالمي ضد الاشتراكية، مهاجماً كل شيء بدءاً من قوانين المساواة بين الجنسين إلى نشطاء المناخ.

يقول بنجامين جيدان، مدير برنامج أمريكا اللاتينية في مركز ويلسون (التابع للكونغرس الأمريكي): "الكثير من الدعم الأمريكي لمايلي يعود إلى برنامجه الاقتصادي".

تصاعد اهتمام مايلي بالنظريات الاقتصادية خلال نوبة التضخم المفرط في الأرجنتين في الثمانينيات. إذ أمضى السنوات العشرين التالية كأستاذ للاقتصاد، ونشر العشرات من الأوراق الأكاديمية، وعمل كمحلل مالي لمراكز الأبحاث والبنوك والشركات الخاصة. وفي عام 2015، بدأ يظهر على شاشة التلفزيون كمحلل، واشتهر بخطبه المليئة بالألفاظ البذيئة ضد "الطبقة السياسية". لقد برز خلال جائحة كوفيد-19، وانتشر على نطاق واسع على تيك توك بسبب تصريحاته الصاخبة ضد عمليات الإغلاق الحكومية. وفي عام 2021، قرر القفز إلى السياسة. وكانت حملته للحصول على مقعد في مجلس النواب بالمجلس التشريعي، تتضمن إعلاناً أظهره وهو يدمر نموذجاً للبنك المركزي بمطرقة.

وتعهد بجعل الأرجنتين "عظيمة مرة أخرى"، وظهرت في حملته الانتخابية ملصقات لدونالد ترامب. ووجه مايلي غضباً واسع النطاق ضد البيرونية، وهي الحركة السياسية ذات الميول اليسارية التي هيمنت على السياسة الأرجنتينية منذ الأربعينيات من القرن الماضي، والتي دافعت عن العدالة الاجتماعية وحقوق العمال ولكنها تركت اقتصاداً مأزوماً.

لدى مايلي إيمان مطلق بالسوق الحرة: فهو يفضل تخفيف القيود المفروضة على الأسلحة من أجل "تعظيم تكلفة السرقة"، وقال إنه سيدعم بيع الأعضاء البشرية.

وتعهد مايلي بأنه لن يرضخ "للماركسية الثقافية" وانتقد التعليم العام ووصفه بأنه "غسيل دماغ".

كان شعار الإدارة المبكر هو "لا يوجد مال". تسببت إجراءات التقشف التي اتخذها مايلي في ارتفاع الأسعار، من النقل والغذاء إلى تكاليف الرعاية الصحية. وأخبر الأرجنتينيين أن تأثيرات خطته ستبدو مثل هبوط اقتصادي حاد قبل أن يصل إلى الحضيض، يليه انتعاش حاد.

يمثل حزب مايلي أقلية صغيرة في مجلسي الهيئة التشريعية في الأرجنتين. وسيتطلب التغيير الدائم الفوز في الانتخابات وتكوين حلفاء جدد، ما لا يناسب مايلي، فمنذ توليه منصبه، وصف المشرعين الذين يختلفون معه بأنهم "خونة". ولم يكتف بخسارة أي حلفاء محتملين في الداخل الأرجنتيني بل بدأ بخسارة الجيران والحلفاء حين وصف الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو بأنه "قاتل إرهابي"، مما دفع كولومبيا إلى طرد الدبلوماسيين الأرجنتينيين؛ وانتقد زوجة رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز ووصفها بأنها "فاسدة" في تجمع لليمين المتطرف في مدريد، مما دفع إسبانيا إلى استدعاء سفيرها.

مرت الأيام منذ تسلم مايلي منصبه دون أي إنجازات تشريعية. وهو يحاول تمرير مشروع قانون شامل من شأنه أن يمنحه صلاحيات تنفيذية واسعة ويتضمن تدابير تتراوح من خصخصة كيانات الدولة إلى فرض عقوبات على المتظاهرين لكنه متوقف الآن في اللجنة.

تعد وسائل الإعلام من بين أهداف مايلي المفضلة. فقد أغلق وكالة الأنباء الأرجنتينية الحكومية تيلام، وهي الخدمة الوحيدة التي تغطي مقاطعات البلاد وتصل إليها، متهماً إياها بأنها الناطقة بلسان الدعاية اليسارية. إن عداءه الصريح للصحفيين الناقدين، يتضخم من خلال شبكة عدوانية من المؤيدين عبر الإنترنت. يقول العديد ممن يتفاعلون مع مايلي إنه يرى العالم من خلال عدسة الميمات (الرسوم الساخرة) اليمينية.

في أواخر نيسان، خرج أكثر من مليون أرجنتيني إلى الشوارع، فيما تحول إلى أكبر احتجاجات خلال رئاسة مايلي. حيث احتشد عشرات الآلاف في ساحة بلازا دي مايو في وسط بوينس آيرس، رافعين الكتب فوق رؤوسهم احتجاجاً على التخفيضات الجذرية في ميزانية الجامعات العامة.

ومن بين اللافتات الأكثر شيوعاً التي رفعها المتظاهرون كان نداء بسيط: "دعونا نحمي ما ينجح". دفعت تخفيضات الميزانية والتضخم المستمر مسؤولي الجامعة إلى إعلان حالة الطوارئ المالية، محذرين من نفاد الأموال قريباً. في جامعة بوينس آيرس الشهيرة، كانت الممرات مظلمة؛ أصبحت الفصول الدراسية دون تكييف الهواء في محاولة لتوفير فواتير الطاقة. يقول مستشار الجامعة، ريكاردو جيلبي: "لم نشهد هذا الوضع من قبل على الإطلاق خلال الأربعين عاماً الماضية من الديمقراطية"، واصفاً التخفيضات بأنها "وضع خطير للغاية يعرض مستقبل مئات الآلاف من الأرجنتينيين للخطر".

وكان من الواضح أن مايلي قد لامس حاجزاً ثالثاً في المجتمع الأرجنتيني، الذي يفتخر بالتعليم العالي العام. لكن الرئيس، في منشوراته على موقع X، اتهم الجامعات بـ"التلقين العقائدي" وقام بتغريد رسم كاريكاتوري لأسد يشرب قدحاً من "الدموع اليسارية"، رافضاً احتجاجات الطلاب باعتبارها حيلةً ساخرةً من جانب المعارضين اليساريين.

يبدو أن مايلي قد خفف من مواقف حملته الانتخابية الرئيسية، بما في ذلك خطط استبدال البيزو وإحلال الدولار عوضاً عنه، ورفض التعامل مع نظام "القاتل الشيوعي" في الصين ــ وهو تطور في السياسة من المرجح أن يرجع إلى اعتماد الأرجنتين على الاستثمار والتجارة الصينية.

إن كراهية مايلي تجاه بكين، التي استثمرت بكثافة في الأرجنتين على مدى العقدين الماضيين، هي خروج عن التقاليد. لقد سحب الأرجنتين من خطة للانضمام إلى تحالف البريكس، وطلب بدلاً من ذلك الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي كشريك عالمي. وسارعت إدارة بايدن لاغتنام الفرصة لإقامة علاقات في منطقة تشهد صعود الصين. وقد توجه موكب من كبار المسؤولين الأمريكيين إلى بوينس آيرس، من وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى الجنرال لورا ريتشاردسون، قائد القيادة الجنوبية الأمريكية. وفي نيسان، أعلنت الولايات المتحدة عن تمويل عسكري أجنبي بقيمة 40 مليون دولار. يقول المسؤولون الأمريكيون إن العمل مع مايلي سهل بشكل مدهش. ويمكن الوصول إليه مباشرة عبر تطبيق واتساب، حيث يتبادل الرسائل بحرّية، ويتبادل الرموز التعبيرية للأسد مع السفير الأمريكي مارك ستانلي.

وظهر مايلي في المؤتمرات الدولية للتنديد بالاشتراكية. وفي دافوس بسويسرا، حذر من أن "الغرب في خطر" واتهم قادته بأنهم "تمت استمالتهم" من قبل "النسوية الراديكالية" و"الماركسيين الجدد". وقد التقى مرتين مع الرئيس التنفيذي لشركة تسلا إيلون ماسك، الذي يعتبره حليفاً أيديولوجياً بارزاً. يقول مايلي: "هناك معركة اقتصادية، ومعركة سياسية، ومعركة ثقافية". "نعتقد أن ما بعد الماركسية... يمكن أن تقود العالم إلى الخراب". ولكن بينما يستمتع بمكانته الدولية الصاعدة، يعرف مايلي أن نجاحه سيتحدد في وطنه.

:المصدر

President Javier Milei’s Radical Plan to Transform Argentina | TIME 

آخر تعديل على الثلاثاء, 23 تموز/يوليو 2024 10:32