روسيا-الهند: قفزة جديدة في التعاون عنوانها «النووي»

روسيا-الهند: قفزة جديدة في التعاون عنوانها «النووي»

في 9 تموز الجاري، أعلن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الفائز حديثاً في الانتخابات افتتاح قنصليتين جديدتين لبلاده في روسيا (في كازان ويكاترينبرج). وبالتزامن مع ذلك، ناقش الجانبان خلال القمة الهندية الروسية السنوية الـ22 الوضع الدولي بتعمق، والتعاون في إطار بريكس، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ومجموعة العشرين. بالإضافة إلى ذلك، ووفقاً لوكالة «تاس» الروسية، اتفقت روسيا والهند بشكل جدي على تفاصيل بناء ست وحدات جديدة للطاقة النووية بقدرة كبيرة في موقع جديد، وكذلك محطات طاقة نووية صغيرة أخرى (ووفقاً لموقع الكرملين، فقد وقعت روسيا والهند 15 وثيقة خلال الزيارة الرسمية لناريندرا مودي إلى موسكو).

ركز الإعلام على الصور والفيديوهات التي تظهر الرئيس الروسي وهو يقود سيارة كهربائية صغيرة وإلى جواره رئيس الوزراء الهندي، حيث يحمل اختيار السيارة الكهربائية للتنقل في روسيا الغنية بالنفط دلالة أخرى تتعدّى حدود العلاقة المتينة بين الجانبين وتصل إلى حدود الإعلان عن أنّ العلاقات بينهما، والتي تعززت سابقاً في ظل العقوبات الأمريكية والأوروبية على النفط والغاز الروسي، أصبحت الآن علاقات نووية بامتياز. وهذا يعني أنّ السباق العالمي لتزويد العالم بمحطات الطاقة النووية والوقود النووي مستمر، وروسيا تتفوّق في العديد من جوانب هذا السباق.

وفقاً للمحللين الأمريكيين، فإن هذا التفوق الروسي في مجال الطاقة النووية يساعد روسيا اليوم في الحفاظ على مكانتها على الساحة العالمية مع اشتداد المواجهة مع الولايات المتحدة وأوروبا.

العقوبات الغربية على روسيا... فرصة للهند

تراهن روسيا بشكل كبير على تصدير الطاقة النووية للخارج للحصول على منفعة مشتركة، حيث تقدّم كلّ شيء: المفاعلات النووية التقليدية، المفاعلات الصغيرة المعيارية من الجيل الجديد، والوقود النووي المخصّب المعروف باسم HALEU، والذي لم تنتجه أي دولة بعد على مستوى ذي أهمية. وتدرك الولايات المتحدة مدى خطورة ذلك.

في السابق، خاضت إدارة بايدن، التي تحاول منع روسيا من المنافسة في مجال تصدير التكنولوجيا النووية، معركةً ضد إدراج اليورانيوم في العقوبات على روسيا، حيث تعتمد الولايات المتحدة عليه في إنتاج الطاقة النووية. لكن في أيار الماضي، غيّر الأمريكيون موقفَهم وحظروا استيراد اليورانيوم الروسي. وهو ما وجد فيه الجانبان الروسي والهندي فرصةً لتطوير علاقاتهما: فالآن، ووفقاً لوكالة بلومبرغ الغربية، مِن الممكن أنْ تبرم روسيا والهند اتفاقيةً طويلةَ الأجل لتوريد اليورانيوم لمحطة كودانكولام النووية في الهند.

وتُعدُّ روسيا شريكاً قديماً وموثوقاً للهند ليس فقط في المجالين العسكريّ والطاقيّ. فتاريخهما حافل بالتعاون، مثل قصة المشاركة السوفييتية في بناء مصانع الصلب في منطقتي هيلاي وبوكارو، القصة التي شكلت مثالاً ملموساً على التعاون الذي بُني في الأصل على أساس الاحترام والثقة المتبادلين. في البداية، كانت المعدات سوفييتية، ثم بدأ الهنود تدريجياً في إضافة معداتهم الخاصة وتلك التي صُنعت باستخدام التكنولوجيا السوفييتية. وكانت بدأت المفاوضات لبناء هذه المصانع مع الولايات المتحدة منذ عام 1959، لكن الشروط التي وضعها الأمريكيون كانت سيّئة. هنا تدخّل السوفييت، وكانت عروضهم للهند جذّابة للغاية: قدّم السوفييت تمويلاً لبناء المصانع بفائدة أقل ولم يطلبوا أن يكون ممثلهم في الإدارة هو الآمر النّاهي. باختصار، قدّمت موسكو قروضاً مفيدة ولم تضع شروطاً. ومعظم هذه المصانع لا تزال تعمل حتى الآن.

الإرث الغربي: أكثر من «تشيرنوبل»!

أمّا الإرث الغربي فكان مختلفاً تماماً. تركت شركة يونيون كاربايد الصناعية الأمريكية أثراً مدمراً في الهند لا تزال تعاني منه حتى الآن. ففي صباحٍ باكر من 3 كانون الأول 1984، وقع انفجارٌ مروِّع في مصنع كيميائي تابع لشركة يونيون كاربايد في بوبال بالهند. كان هذا الانفجار أسوأ وأكبر كارثة صناعية في العالم من حيث عدد الضحايا. ولا تزال هذه الكارثة تتفوّق على جميع الحوادث المعروفة، بما في ذلك كارثة تشيرنوبيل اللاحقة. وقبل هذا الانفجار المروِّع، وقعت عدة حوادث وتسريبات تم التستّر عليها ولم تُعالَج المشاكل الكامنة وراءها، فحدثت الكارثة؛ قُتِلَ أكثر من 18,000 شخص، وأصيب أكثر من نصف مليون بجروح ومضاعفات. ويعتقد الكثيرون أنّ هذه هي أكبر كارثة تكنولوجية في التاريخ الحديث.

المنفعة مشتركة... وواضحة

يدرك الهنود وشعوب أخرى من المستعمرات السابقة في الجنوب العالمي والشرق أنّ الأسياد الغربيّين السابقين ينتهجون سياسةً غير عادلة ويريدون مرّة أخرى استغلالَهم إلى أقصى حدّ. على النقيض من الولايات المتحدة وبريطانيا، تقف الصين وروسيا، بفكرتهما عن عالم متعددٍ وعادل لتمثّلا فرصةً وأملاً لهذه الشعوب.

لذلك، ليس من المستغرب أنَّ الغربيّين قلقون اليوم من حقيقة أنّ الهند وروسيا تريدان ليس فقط الحفاظ على تجارة النفط والغاز، بل وتعزيز التعاون في المجال النووي.

في هذا السياق، ناقش المشاركون الروس والهنود في قمّة تموز الاستخدام المستقبليّ للطريق البحري الشمالي - وهو ممرٌّ ملاحيّ واعد بسبب ذوبان الجليد في القطب الشمالي. حيث يمكن الوصول من الجزء الغربي من روسيا إلى الهند بشكل أسرع (وفقاً للتوقعات الأمريكية، سيصبح هذا الممرّ خالياً من الجليد بحلول عام 2050).

وقد أدت التوجهات الهندية الأخيرة لتكثيف حملة الهجوم الغربي على الهند، وليس آخرها تصريحات ممثلة مبادرة الأمن عبر الأطلسي في مجلس الأطلسي، إليزابيث برو التي زعمت أن الهند «تتصرف ببراغماتية كبيرة، وبصراحة، بشيء من الانتهازية...».

من جهتها، تؤكّد نيودلهي منذ سنوات عديدة أنَّ الهند وروسيا تتعاونان بنشاط وإنتاجية في العديد من القضايا في «عالم متعدّد الأقطاب»، مشيرةً إلى تصريحات وزير الخارجية الهندي: «لدينا علاقات مستقرّة وموثوقة للغاية. بالنسبة لنا، روسيا شريكٌ موثوق به ومختبَر عبر الزمن. وأيُّ تقييم موضوعي لحالة علاقاتنا عبر عقود طويلة يثبت أنّ كلا البلدَين يستفيدان من ذلك».