المقاومة في العصر «فرط الصوتي» وهروب البوارج الأمريكية
كشف مسؤولون في البحرية الأميركية مؤخَّراً أن مجموعة حاملة الطائرات دوايت دي أيزنهاور الضاربة، التي اضطرتها ضربات الحوثيين إلى الانسحاب من المنطقة، والتي تتألف من حاملة الطائرات إيك مع العديد من السفن الحربية الأخرى، قد أطلقت أكثر من 500 ذخيرة خلال انتشارها، كما حلقت طائراتها عشرات الآلاف من الساعات. وسبق لوزير البحرية ديل تورو أن كشف أنّ قيمة الذخائر المستهلكة وحدها تبلغ نحو مليار دولار.
يؤكد هذا الرقم في حد ذاته على الاستنزاف المالي المتزايد للوجود البحري الأميركي في المنطقة، وهو لا يشمل التكاليف الأخرى التي تساعد في دعم العملية. وقال موقع بيزنس إنسايدر الأمريكي إنه طلب من البنتاغون والقيادة المركزية الأميركية معرفة التكلفة الإجمالية للعمليات ضد الحوثيين، لكنه لم يتلق رداً بعد. ولكن من المعروف أنّ الولايات المتحدة تعتمد على صواريخ باهظة الثمن لتدمير أسلحة الحوثيين، أما أسلحة الحوثيين فإنها بالمقابل لا تكلف سوى جزء ضئيل من تكاليف صاروخ اعتراضي من طراز SM-2 بقيمة 2.1 مليون دولار على سبيل المثال. وأعرب خبراء أمريكيون عن أنّ أكثر ما يقلق واشنطن هو الحفاظ على السفن الحربية التي يتم إطلاق الذخائر منها.
استهداف حاملة الطائرات الأمريكية حدث تاريخي
كانت مجموعة أيزنهاور الضاربة قد غادرت سابقاً البحر الأحمر بالفعل مرة واحدة ولكن لإعادة تسليحها وإعادة إمدادها، ومدد البنتاغون مؤخراً انتشارها الذي استمر لعدة أشهر للمرة الثانية. وبعد عودتها نجح الحوثيون في أواخر شهر حزيران باستهدافها بعدة صواريخ اضطرتها إلى الهرب في شمال البحر الأحمر، وانعطفت بشكل حاد جداً وهربت باتجاه قناة السويس. وهدد الحوثيون بأن أية حاملة طائرات سيزج بها الأمريكان في البحر الأحمر بدلاً من أيزنهاور سوف تتعرض للاستهداف.
لعل السوابق التاريخية لتعرض سفن البحرية الأمريكية لضربات مباشرة قليلة في التاريخ، ولكن يمكن العثور على بعضها ومنها ضرب البارجة الحربية الأمريكية «يو إس إس كول»: في 12 تشرين الأول عام 2000 نُفِّذَت إحدى العمليات الانتحارية ضد الناقلة العسكرية الأمريكية البحرية USS Cole في ميناء عدن في اليمن، عندما كانت راسية في المياه اليمنية لغرض التزويد بالوقود. حيث اقترب منها قارب صغير واصطدم بها محدثاً انفجاراً خلف فتحة بطول 12 متر على جانب الناقلة وقتل 17 من الملاحين وتم إصابة 39 آخرين بجروح، ونُسبت العملية فيما بعد إلى أعضاء تنظيم القاعدة. وبعد خمس سنوات قال الرئيس علي عبد الله صالح في 1 كانون الأول 2005 إنّ الولايات المتحدة الأمريكية، كانت تنوي احتلال مدينة عدن اليمنية، إثر استهداف هذه المدمرة إلا أنه تم «منعها بالوسائل الدبلوماسية».
لكن من السوابق التاريخية التي كانت حركة مقاومة شعبية هي التي استهدف سفن البحرية الأمريكية، قيام الشيوعيين الفيتناميين في 2 آب 1964 بمهاجمة البارجة الحربية الأمريكية «مادوكس» في خليج تونكين رداً على الدعم الاستخباراتي والعملياتي الذي كانت تقدمه واشنطن عبر تلك البارجة للاعتداءات التي كان يشنها عملاء الأمريكان في فيتنام الجنوبية على سواحل فيتنام الشمالية (الشيوعية(.
المقاومة في عصر الصواريخ فرط الصوتية
في 26 من أيار الماضي كشفت جماعة أنصار الله الحوثية عن استخدامها لأول مرة صاروخاً فرط صوتي جديد هو «حاطم2» ضد سفينة «إسرائيلية» وعرضت الجماعة لقطات لإطلاق الصاروخ على السفينة MSC SARAH V في بحر العرب. ويتمتع الصاروخ بنظام تحكم ذكي وقدرة على المناورة وله عدة أجيال بمديات مختلفة. وأكد الجماعة بأن الصاروخ صنع في هيئة التصنيع العسكري داخل اليمن.
في الوقت الذي يجري فيه الحديث عن أنّ البنتاغون يمكنه تحمل نفقات الصواريخ المتزايدة لسنوات قادمة، لكن ما ينبغي الانتباه له هو أنّ قدرة الحكومة الأميركية على الاستمرار في تراكم هذه الديون تعتمد أصلاً وفي نهاية المطاف على قدرة الجيش الأميركي، وبشكل أعمّ القدرة الأمريكية-الصهيونية، على الهيمنة على العالم، الأمر الذي يتعرّض بالذات إلى تحدّيات هائلة وعلى أكثر من جبهة، وخاصة في البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندي وأوكرانيا وبحر الصين. وكما كتب أحد الصحفيين الأمريكيين، أندرو أنجلين: «ها هم الآن ينفقون المليارات لمحاربة رجال يرتدون الصنادل، ويخسرون».
ونقلت جريدة الأهرام المصرية، في الثاني من الشهر الجاري عن خبير عسكري أمريكي قوله إنه «إذا نجح الحوثيون في استعادة قدرتهم السابقة على تنسيق هجمات بشكل أسراب متعددة الاتجاهات في الوقت نفسه، فقد تصاب الوحدات البحرية بالشلل وتنهار التشكيلات الدفاعية».
وبحسب صاحب التصريح نفسه، وهو فابيان هينز الخبير في الصواريخ والطائرات دون طيار فإن: «الحوثيين اعتمدوا بشكل عام على الطائرات دون طيار والصواريخ الباليستية لمهاجمة السفن. وتحتوي ترسانة صواريخ كروز الخاصة بهم على نماذج تعتمد على الإنتاج الإيراني. تكون صواريخ كروز بشكل عام أبطأ من الصواريخ الباليستية ولكنها تطير على ارتفاع منخفض، ما يجعل اكتشافها أكثر صعوبة، كما تكون أكثر دقة لأنه يمكن توجيهها طوال رحلتها. ويمكن لروسيا أن تزودهم بصاروخ KH-13 المضاد للسفن الأسرع من الصوت [سوبر صوتي 3.5 ماخ ولكنه ليس فرط صوتي أي ليس أكثر من 5 ماخ] الذي يتم إطلاقه من الجو ولكن يمكن تحويله إلى إطلاق أرضي أيضاً، وقد تم تصديره بالفعل على نطاق واسع، بما في ذلك إلى فنزويلا واليمن قبل الحرب الأهلية».
وأضاف إنه «يجب أن نضع في الاعتبار أن ضربة واحدة على حاملة الطائرات ربما لن تسبب سوى ضرر محدود. وحسب السوفييت خلال الحرب الباردة فإنه سيتعين إحداث 12 إصابة لإخراج حاملة طائرات من الخدمة». ولكن رغم رأي هذا الخبير تمكّن الحوثيون بضربة واحدة على حاملة الطائرات الأمريكية أيزنهاور أن يطردوها من البحر الأحمر، مما يشير إلى خوف الأمريكان من أن يلحق بها الحوثيون مزيداً من الأضرار، كما يؤكد ذلك أيضاً عجز واشنطن عن الدفاع عن حاملة طائراتها رغم كل ضخامتها وجبروتها.