من «إسرائيل»: حرب غزّة لا يمكن أن تستمر إلى الأبد!
ترتفع درجات الارتباك داخل الكيان وفي أوساط النخب السياسية والعسكرية هناك، فالحرب مشتعلة منذ 9 أشهر لتكون بذلك أطول حرب خاضتها «إسرائيل» منذ 1948، ومع ذلك لا يبدو تحقيق الأهداف المعلنة لـ «السيوف الحديدة» ممكناً، لا بل يظهر أنّها لم تحقق أياً منها حتى الآن.
نقلت «نيويورك تايمز» تصريحات نسبتها إلى «6 مسؤولين أمنيين [إسرائيليين]» قالوا فيها حَسَبَ الصحيفة الأمريكية، إن القيادة العسكرية لجيش الاحتلال تريد التوصل إلى وقف إطلاق للنار في غزّة حتى لو ظلت حماس تحكم القطاع، لكن رئيس الوزراء سارع لرفض ما ورد في الصحيفة قائلاً: «لن ننهي الحرب إلّا بعد أن نحقق جميع أهدافها، بما في ذلك القضاء على حماس، وإطلاق سراح جميع المخطوفين»، بدوره نشر جيش الاحتلال بياناً نفى فيه وجود نوايا لوقف الحرب قبل تحقيق أهدافها.
خلف التصريحات
بالتأكيد هناك موقف رسمي واضح يقول بأن الحرب مستمرة، وأن «إمكانيات الجيش تسمح بتحقيق أهدافها»، لكن خروج نتنياهو المتكرر لتكذيب كل أنواع الأفكار المغايرة حول الحرب، هو دليلٌ بحدِّ ذاته على حجم الضغط والانقسام داخل الكيان. وفي الحقيقة هناك جملة من العلامات تؤكد وجود آراء مختلفة، لا حول طريقة قيادة الحرب أو المفاوضات فحسب! بل اختلافات وصلت درجة التشكيك بجدوى الحرب أصلاً أو حتى إمكانية تحقيق أهدافها، فكان لتصريحات المتحدث باسم جيش الاحتلال دانيال هاغاري التي أدلى بها في مقابلة على القناة 13 منذ أسابيع ارتدادات كثيرة، إذ قال: «الاعتقاد أنَّ بالإمكان تدميرَ حركة حماس وإخفاءها هو ذرٌّ للرماد في عيون [الإسرائيليين]» وأضاف «نحنُ ندفع ثمناً باهظاً في الحرب، لكننا لا يمكن أن نبقى صامتين ونقوم بكل ما نستطيع به». وتبين من سياق ما قاله أن هدف «القضاء على حماس» يمكن أن يختزل إلى «اغتيال يحيى السنوار» الذي يمكن تحقيقه بجهود «الشاباك والاستخبارات العسكرية».
محاولات التوضيح المتوقعة من وزارة الحرب حول معنى ما قاله هاغاري لا تغير في واقع الأمر شيئاً، فالقادة العسكريون يدركون بشكل قاطع أن المشهد داخل القطاع يمكن أن يتحول، وهو يتحوّل فعلاً، إلى محرقة حقيقية لجنود الاحتلال وضباطه، ويمكن لحرب من هذا النمط أن تستمر سنوات، والأخطر من ذلك أن المسألة لا ترتبط بتأمين الإمكانات المادية اللازمة لها فقط، وهي مسألة صعبة بالطبع، لكن مشكلتهم تكمن في أن استمرار الوضع الحالي يزيد الضغوط الأمنية على كامل الأراضي المحتلة. ويخشى ضباط في جيش الاحتلال أن يتوسع الصراع أكثر ويحذرون من اشتعال «جبهة الشرق»، فحذّر القائد الجديد للمنطقة الوسطى من اشتعال الضفة وقال إن: «الرياح القادمة من الشرق قاتمة لا أعرف ما الذي سيأتي به المستقبل». كل ذلك إلى جانب عزلة دولية غير مسبوقة تشهدها «دولة إسرائيل».
«الحرب لا يمكن أن تستمر إلى الأبد»
بدورها تحوّلت تصريحات يائير لبيد إلى عنوان عريض للمرحلة الحالية، فزعيم المعارضة أشار إلى استحالة استمرار الحرب إلى الأبد، وأضاف أن «إسرائيل» تسعى لحروب قصيرة وأنه لا يمكن تجنيد الاحتياط إلى فترات طويلة، مشيراً إلى أن الاقتصاد «الإسرائيلي» لا يتحمل. كل ذلك يشير إلى أن الكيان وخلفه الولايات المتحدة يحاولان الخروج من المأزق، ربما عبر جملة من المناورات يحفظون فيها ماء الوجه، مثل محاولة إيقاف الحرب دون إعلان، لكن المشكلة أن المسألة تحوّلت اليوم إلى قضية إقليمية ودولية ولم يعد بإمكان «إسرائيل» والولايات المتحدة أن يتجاهلا دفع الفاتورة السياسية لهذه الحرب، فالنظام السياسي داخل الكيان خاضع لتأثير هزات كبرى ودور الولايات المتحدة في هذا الملف الفلسطيني قد تعرَّضَ لضرر لا يمكن ترميمه. المسألة مسألة وقت ليس إلا حتى تكون الحرب انتهت وحملت معها انتصاراً سيغير الكثير من ملامح منطقتنا والتوازنات السياسية فيها.