قمة بريكس الاستثنائية وقيادة الحلول الحقيقية شرقاً
انعقدت الثلاثاء 21-11-2023 قمة بريكس الاستثنائية بشأن "الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي"، أو كما ورد بحسب وكالة شينخوا "حول الوضع في الشرق الأوسط مع إشارة خاصة إلى غزة"، ومن أبرز المواقف كان موقف الصين وروسيا وجنوب إفريقيا. فذكّر شي جين-بينغ بأنّ السبب الجذري للصراع هو التجاهل الطويل لحقوق الشعب الفلسطيني في الوجود وإقامة دولته، والعودة، وجاء ذلك بالتزامن مع تصريح الخارجية الصينية حول ضرورة أن "يحصل أيّ ترتيب يتعلق بمستقبل ومصير فلسطين على موافقة الشعب الفلسطيني". وحمّل بوتين واشنطن المسؤولية الأكبر بسبب الاحتكار الأمريكي للوساطة بالتسوية، وعرقلة الرباعية، و"تخريب قرارات الأمم المتحدة التي دعت لإنشاء الدولتين" لافتاً إلى نشوء "أجيال من الفلسطينيين في جو من الظلم". ورفع رئيس جنوب إفريقيا رامافوزا صوته بكلمة حقّ واصفاً العدوان "الإسرائيلي" على غزة بأنّه "جريمة حرب" و"إبادة جماعية". كما نوّهت القمة بنتائج القمة العربية الإسلامية الأخيرة.
حضر القمة التي انعقدت عبر الفيديو، وبقيادة جنوب إفريقيا، رؤساء أربع من دول بريكس (روسيا والصين وجنوب إفريقيا والبرازيل) وتمثلت الخامسة، الهند، بوزير خارجيتها سوبرامانيام جيشانكار. إضافة إلى حضور عدد من قادة الدول المدعوة للانضمام إلى التكتل، حيث حضرها رؤساء كلّ من إيران ومصر والإمارات، وولي العهد السعودي. وتمثلت إثيوبيا برئيس وزرائها آبي أحمد، والأرجنتين بوزير الخارجية والتجارة الدولية والعبادة سانتياغو أندريس كافييرو.
بوتين يحمّل المسؤولية لواشنطن
في كلمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان لافتاً الترتيب الذي بدأ به، حيث ركّز أولاً على الخلل الاستراتيجي العام في معالجة القضية الفلسطينية التي حالت دون التوصل إلى حلّ حتى الآن، قبل أن يتابع إلى التأكيد على ضرورة وقف إطلاق النار في غزة، وأنّ "الهدف الأكثر إلحاحاً بكل المقاييس هو التوصل إلى هدنة طويلة الأمد ومستدامة حقاً"، وعدم توسع الحرب إلى إقليمية.
فاستهل بوتين كلمته باستنكار "مقتل الآلاف والطرد الجماعي للمدنيين والكارثة الإنسانية التي تتكشف في المنطقة" والتي "تثير قلقًا عميقًا" وتابع: "لقد تحدّث الآن أحد زملائنا عن وفاة عدد كبير من الأطفال. إنه أمر فظيع... عندما تشاهد أطفالاً يخضعون لعمليات جراحية دون تخدير، فمن المؤكد أن ذلك يثير مشاعر حادة". ليسارع بوتين باستدعاء الطرف الدولي الذي حمّله المسؤولية الأكبر، حيث قال إنّ "كل ذلك يأتي في الواقع نتيجة لتطلع الولايات المتحدة إلى احتكار دور الوساطة في عملية التسوية الفلسطينية الإسرائيلية وعرقلة أنشطة اللجنة الرباعية للوسطاء الدوليين في الشرق الأوسط. وهذه هي طريقة التاريخ في إثبات أن المحاولات الرامية إلى قطع (العقدة الفلسطينية) بمفردها غير قابلة للحياة وتؤدي إلى نتائج عكسية. وبسبب تخريب قرارات الأمم المتحدة، التي دعت بوضوح إلى إنشاء دولتين مستقلتين سيّدتَين والتعايش السلمي بينهما – إسرائيل وفلسطين – فقد نشأ أكثر من جيل من الفلسطينيين في جو من الظلم، ولا يستطيع الإسرائيليون ضمان الأمن بشكل كامل بما فيه لدولتهم".
وأكد على أنّ "موقف روسيا ثابت ومستقل عن الظروف اللحظية. ونحث المجتمع الدولي على الانضمام إلى الجهود الرامية إلى تهدئة الوضع والتفاوض على وقف إطلاق النار وتحقيق حل سياسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ويمكن لدول البريكس ودول المنطقة أن تلعب دوراً رئيسياً في هذا العمل"، لافتاً إلى أهمية حضور الدول التي ستكون كاملة العضوية في بريكس.
الصّين: ثلاث نقاط ودعوة لمؤتمر دولي
في كلمته بدأ الرئيس الصيني بملاحظة أنّ "هذه هي قمتنا الأولى منذ توسع البريكس"، فرحَّبَ بزعماء الأعضاء الجدد، ثم أعربَ عن "القلق البالغ الذي تشعر به الصين إزاء الصراع في غزة المستمر في شهره الثاني، ويتسبب بخسائر فادحة في صفوف المدنيين وكارثة إنسانية، ويميل إلى التوسع والامتداد". وبحسب شي جين-بينغ تعتقد الصين أن ما يلي أمر ملح وحتمي:
- "أوًلا، يجب على أطراف النزاع إنهاء الأعمال العدائية وتحقيق وقف لإطلاق النار على الفور، ووقف جميع أعمال العنف والهجمات ضد المدنيين، وإطلاق سراح المدنيين المحتجزين، والعمل على منع فقدان المزيد من الأرواح وإنقاذ الناس من المزيد من البؤس".
- "ثانياً، يجب الحفاظ على الممرات الإنسانية آمنة ودون عوائق، وتقديم المزيد من المساعدات الإنسانية إلى السكان في غزة، وإيقاف العقاب الجماعي الذي يتعرض له سكان غزة، والذي يتمثل في الترحيل القسري أو الحرمان من المياه والكهرباء والوقود".
- "ثالثاً، يتعين على المجتمع الدولي اتخاذ تدابير عملية لمنع انتشار الصراع وتعريض الاستقرار في الشرق الأوسط ككل للخطر. وتؤيد الصين القرار الذي تمّ تبنيه في الجلسة الاستثنائية الطارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة في 27 أكتوبر. وقد تبنّى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تحت رئاسة الصين القرار رقم 2712. ويتعين على كافة الأطراف العمل على تنفيذ هذه القرارات من خلال تدابير ملموسة على الأرض".
بعد ذلك شدّد الرئيس الصيني على أنّ "السبب الجذري للوضع الفلسطيني-الإسرائيلي هو حقيقة أنّ حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، وحقه في الوجود، وحقّه في العودة، قد تمّ تجاهله منذ فترة طويلة". وذكّر شي جين-بينغ على أنّه أكّدْ في مناسبات عديدة على أنّ "الطريقة الوحيدة الممكنة لكسر دائرة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تكمن في حل الدولتين، واستعادة الحقوق الوطنية المشروعة لفلسطين، وإقامة دولة فلسطين المستقلة. ولا يمكن أن يكون هناك سلام وأمن مستدامان في الشرق الأوسط دون حلّ عادل لقضية فلسطين. وتدعو الصين إلى عقد مؤتمر دولي للسلام في وقت مبكر يكون أكثر موثوقية لبناء توافق دولي للسلام والعمل على إيجاد حلّ مبكر لقضية فلسطين يكون شاملاً وعادلاً ومستداماً".
وذكّر الرئيس الصيني بأن بلاده: "قدمت 2 مليون دولار أمريكي من المساعدات الإنسانية الطارئة من خلال السلطة الفلسطينية ووكالات الأمم المتحدة، وإمدادات إنسانية طارئة بقيمة 15 مليون يوان صيني، مثل الغذاء والدواء، إلى قطاع غزة بمساعدة مصر. وستقدم الصين المزيد من الإمدادات والمساعدات وفقًا لاحتياجات الناس في غزة. وفي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تصرفت الصين بصفتها رئيساً لتسهيل تبني القرار الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار وممرات إنسانية ممتدة، وحماية المدنيين، وتوفير المساعدة الإنسانية".
تزايد دور بريكس بحلّ مشكلات الشرق والعالَم
ظلّ الغرب يدير أزمات العالَم نحو مزيد من التعقيد والتفجير خدمة لمصالحه الإمبريالية وعلى النقيض من مصالح الشعوب. في قمة بريكس الاستثنائية بشأن القضية الفلسطينية يمكن من جديد أن نلمس إرادة هذا التكتل الصاعد في العالَم الجديد ما بعد أفول الهيمنة الأمريكية، وتخطيطه على ما يبدو للانخراط النشط في قيادة حلول الأزمات عالمياً. وهذا واضح أيضاً فيما ختم به بوتين كلمته: "نرى أنه من المفيد للغاية مواصلة مناقشة التطورات اللاحقة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في دول البريكس. إذا لم تكن هناك أي اعتراضات، أيها الزملاء، فسنبدأ اتصالات محتملة، بما في ذلك عبر الفيديو، بشأن هذه القضايا خلال رئاسة روسيا المقبلة لمجموعة البريكس في العام المقبل. بشكل عام، يبدو الشكل الجديد لاجتماعات القمة الطارئة عبر الإنترنت الذي اقترحه رئيس [جنوب إفريقيا سيريل] رامافوسا واعدًا للغاية. والأهم من ذلك، أن هذا لا ينطبق على تسوية الشرق الأوسط فحسب، بل على القضايا العالمية والإقليمية الملحة الأخرى".
بالمثل ختم الرئيس الصيني كلمته بالقول: "تعدّ آلية تعاون البريكس منصّة مهمة للأسواق الناشئة والدول النامية لتعزيز التضامن والتعاون وحماية المصالح المشتركة. إنّ اجتماعنا اليوم لتنسيق المواقف والإجراءات بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يمثل بداية جيدة لتعاون أكبر في إطار البريكس بعد توسيعها".