الفرح الفلسطيني... سلاح دمارٍ شامل
مع بدء الهدنة المؤقتة، وبدء عملية تبادل الأسرى، يبذل الكيان المحتل بجيشه وإعلامه ومخابراته جهوداً محمومة بل وهستيرية لمنع الفرح الفلسطيني من التسرب من شقوق الدمار
تقتحم قوات العدو بيوت الأسرى المحررين في صفقة التبادل، تطرد الأقارب والأصدقاء الذين ينتظرون عودة أسراهم، لمنع الاحتفالات. تحاول قطع الاتصالات هنا وهناك كي لا تتسرب فيديوهات الفرح، كما قطعت الاتصالات لمنع تسرب معلومات وفيديوهات الضحايا المدنيين الفلسطينيين. وبكلمة واحدة فإنّ هذا الكيان لا يمكنه التعايش مع الفلسطيني لا معتقلاً ولا حراً، لا ميتاً ولا حياً؛ فالفلسطيني كائن يصعب بل يستحيل فهمه من وجهة النظر «الإسرائيلية»؛ فالفرح والصبر، حب الحياة والرضا بالشهادة، بل والاحتفال بها، هي مكونات أسطورية للشخصية الفلسطينية، ليس بمقدور «الإسرائيلي» التعامل معها.
محاولة كتم الفرح هي في البدء فعلٌ سياسي، الغرض منه محاولة إخفاء النصر الفلسطيني ومحاولة إخفاء الهزيمة الصهيونية. ولكن الأمر أبعد من ذلك بكثير؛ فحين يكون الفرح الإنساني بعودة أسير أو أسيرة إلى أسرته قادراً وحده على إظهار الهزيمة، فإنّ ذلك يعبر عن طبيعة المعركة وطبيعة الصراع: فهؤلاء أنفسهم الذين يواجهون الموت ويهزؤون به على أساس يومي، هم أنفسهم الذين يحتفون بالحياة كما لا يحتفي بها أحد على وجه الأرض. فالحياة والموت بالنسبة للفلسطيني هما ملحمة واحدة متصلة ومستمرة؛ ملحمة مكثفة تبدو أسطورة من إبداع الخيال حتى حين نلمسها ونراها بأعيننا. تبدو أسطورة لأنّها مختلفة جداً عن الحياة الرتيبة الذليلة التي تعيشها شعوب العالم بأسره وإنْ اختلفت الدرجة.
هي معركة بين الفرح وأعدائه... وفي الوقت نفسه ليست معركة بين الحياة والموت، فهذان متآخيان في الدم الفلسطيني كعنصرين لا فكاك بينهما. بل هي معركة بين الحياة والقتل، بين المستقبل والحاضر والماضي من جهة، وبين عابرين على صفحة التاريخ. الفرح الفلسطيني سلاح دمارٍ شامل للظلمة، سلاح قاتل لا طاقة للقبة الحديدية ولا للميركافا ولا لحاملات الطائرات الأمريكية في التصدي له... الفرح الفلسطيني خارق للدروع والتحصينات والأسوار... لا لشيء إلا لأنه هو نفسه المستقبل الذي يتقدم بخطىً جبارة لا راد لها، وهو تلميحٌ وبشارة عن ذاك المستقبل في الوقت نفسه... لأنّ أجمل الانتصارات هي تلك التي لم تأت بعد!