الاقتصاد الأمريكي: نحو الهاوية بخطى ثابتة... وبلا مخرج
تبلغ ديون حكومة الولايات المتحدة ما يقارب 34 تريليون دولار. والأسوأ من ذلك أن عجز حكومات الولايات المتحدة يكبر ويزداد حجماً. ومع ارتفاع الدين وأسعار الفائدة، يرتفع إجمالي مدفوعات الدين. ومع التصعيد في أوكرانيا وغزة وتايوان، يتفق الطرفان «الجمهوري» و«الديمقراطي» على إنفاق عسكري أكبر من أي وقت مضى. وحتى الجمهوريون لا يتحدثون الآن عن خفض الإنفاق الاجتماعي، ذلك أنهم يدركون أنهم يعتمدون في نجاحهم بالانتخابات المقبلة على أصوات الأمريكيين المحرومين، بما في ذلك المواطنين الأقل تعليماً وذوي الدخل المنخفض، والعمال، ومجتمعات السود واللاتينيين. لهذا، تحتاج حكومة الولايات المتحدة إلى الاقتراض في زمن قلّ فيه من يرغب بإقراض الأموال للولايات المتحدة.
توقفت الصين عن شراء الديون الأمريكية، وتقوم ببيع ما تملكه من سندات الدين الأمريكي بسرعة. كما توقفت اليابان عن شراء ديون الولايات المتحدة. وباتت السعودية والإمارات أقل ميلاً لشراء الديون الأمريكية، لأن لديهم مشاريعهم الضخمة الخاصة (مثل مدينة نيوم السعودية) التي يحتاجون لإنفاق تريليونات الدولارات عليها.
ماذا يحدث عندما تصبح سلعة ذات نوعية رديئة (مثل ديون حكومة الولايات المتحدة) أكثر وفرة، ويصبح الراغبون في شرائها قليلون؟ كما هو الحال دائماً، ينخفض السعر. وعندما تصبح سندات خزانة الولايات المتحدة أرخص، فإن سعر الفائدة الذي يتعين على حكومة الولايات المتحدة أن تدفعه يرتفع بشكل حاد. وارتفاع أسعار الفائدة وارتفاع مستويات الديون يزيد من تفاقم عجز حكومة الولايات المتحدة، وبالتالي تشتد حاجتها مجدداً إلى الاقتراض بشكلٍ أكثر إلحاحاً. هذه هي بالضبط الحلقة المفرغة التي دخلت فيها الإدارات الأمريكية.
الولايات المتحدة تتعرض للضغط الشديد
أصبحت الولايات المتحدة في مأزق بين ارتفاع احتياجات القروض وانخفاض عدد المقرضين. وهو وضع سيئ للغاية لدرجة أن الحكومة الأمريكية تضطر إلى دفع سعر فائدة حقيقي (أي سعر الفائدة مع احتساب عوامل التضخم) يبلغ حوالي 2.25% وهو تقريباً السعر المرتفع نفسه الذي تتمتع به دولة بوزن إيطاليا.
ولأن المشترين الأجانب وبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يبيعون ديون الولايات المتحدة بدلاً من شرائها، فإن حكومة الولايات المتحدة تعتمد من الآن فصاعداً فقط على بعض المستثمرين الأميركيين من القطاع الخاص لتمويل ديونها.
وبما أنه لا يوجد سوى قدر محدد من رأس المال الاستثماري الخاص المتاح داخل الولايات المتحدة، فإن استمرار المشتريات المتزايدة من سندات الحكومة الأمريكية سيحدّ من الاستثمارات في الشركات الخاصة التي تخلق فرص العمل للأمريكيين، وبالتالي فإن الولايات المتحدة أمام نمو منخفض وارتفاع في البطالة.
في المقابل، يرتفع سعر الفائدة في السوق الأمريكية ليس فقط على السندات الأمريكية، ولكن على الأسهم الأمريكية والعقارات أيضاً، ومع ارتفاع سعر الفائدة المطلوب في السوق على الأسهم والعقارات، ينخفض سعر هذه الأصول، مما يؤدي إلى تحصيل أرباح أقل أو حتى خسائر في ثروات المستثمرين الأمريكيين من القطاع الخاص.
كل الخيارات جرى استنزافها سابقاً
العجز الحكومي الأمريكي بات ضخماً للغاية ولا يمكن وقفه. قد يستمر الاقتصاد الأمريكي في إظهار بعض علامات النمو الوهمي، ولكن ذلك مثل المشي عكس التيار، سوف يصبح الاقتصاد الأمريكي «متعباً» أكثر فأكثر، حيث يتم جره بلا هوادة نحو القاع. وعاجلاً أم آجلاً، سيحدث الغرق. ما يفاقم الوضع سوءاً أن إدراك هذه الحقيقة بين مستثمري القطاع الخاص يمكن أن يؤدي إلى انهيار النظام المالي الأميركي بالكامل بشكل لا يمكن لأحد تخيل سرعته.
الانهيار الذي نتحدث عنه لا يمكن إيقافه (كما جرى في المرتين الماضيتين عندما ضخت حكومة الولايات المتحدة تريليونات الدولارات في الاقتصاد الخاص والقطاع المصرفي لإحيائه) لأن المسبب في اشتداد الأزمة هذه المرة هي بالتحديد الحزم الضخمة التي ضختها الحكومة الأمريكية سابقاً.
أسوأ شيء بالنسبة للولايات المتحدة هو أنه لا توجد نهاية ولا حل في الأفق لهذا الوضع. لن يخفض أي من الحزبين في الولايات المتحدة الإنفاق. ولا يمكن حل المشكلة (مؤقتاً) إلا عن طريق زيادة الضرائب، ليست زيادات قليلة، بل زيادات بشكل هائل، وهو ما لا يستطيع أي من الحزبين فعله.