الأول من نوعه: ممرّ «شمال-جنوب» ضربة قاصمة للسفن الغربية!
أحمد علي أحمد علي

الأول من نوعه: ممرّ «شمال-جنوب» ضربة قاصمة للسفن الغربية!

بعد نحو 20 عاماً من بدء الحديث عمّا بات يعرف باسم «خط أو ممر شمال-جنوب»، أعلنت القيادة الروسية ممثَّلةً بالرئيس فلاديمير بوتين أنّ عملية تنفيذ خط سكّة حديد «آستارا-رشت» قد بدأت بشكلها الفعلي، ويمتدّ الخط الذي يجري الحديث عنه من ميناء «آستارا» الروسي إلى مدينة «رشت» شمالي إيران، ثمّ يتابع طريقه إلى الهند مروراً بالعديد من الدول.

وكانت قد توافقت روسيا والهند وإيران على تطوير «ممر شمال-جنوب» في العام 2000، وهو مشروع نقل عابر للحدود تمّ تقدُيمه أوّلاً خلال قمّة الاتحاد الأوروبي في العاصمة الفنلندية هلسنكي في العام 1992، ومن ثمّ تمّ توقيع الاتفاقية بين الدول الثلاث في مدينة سانت بطرسبرغ الروسية.

ما بعد ذلك، تلقّت الدول الثلاث المؤسِّسة لهذا المشروع دعماً من العديد من الدول الأخرى، وتشمل هذه الدول: سلطنة عمان، تركيا، كازاخستان، أرمينيا، قرغيزستان، طاجيكستان، بيلاروسيا، أوكرانيا، سورية، وبلغاريا.

وعبر شبكة طويلة تبلغ نحو 7200 كيلومتر من الطرق البحريّة والبريّة والسّكك الحديديّة، يتابع «ممرّ شمال-جنوب» طريقه الذي يربط مومباي في الهند بمنطقة الخليج والمحيط الهندي، مروراً بإيران، نحو سانت بطرسبرغ في روسيا، ومن ثمّ إلى الشمال الأوروبي، وصولاً إلى هلسنكي، عاصمة فنلندا.

ns1

قبل بدء الحديث عن الأهمية الجوهرية لهذا المشروع المعروف اختصاراً باسم INSTC، لا بُدّ من القول إنّه مع اكتمال هذا المشروع وبدء اعتماده في النّقل، فإنه سيكون واحداً من أرخص الطُّرق البريّة التي تربط آسيا بأوروبا، ولهذا فإنه يعتبر بديلاً اقتصادياً لقناة السويس. ووفقاً للبيانات الإيرانيّة المتوفّرة حول هذه المسألة؛ فإنّ الشّحن عبر هذا الممرّ يتطلّب فقط 14 يوماً، بالمقارنة مع 40 يوماً عبر قناة السويس، ويوفّر تقديريّاً حوالي 2500 دولار في التّكلفة لكلّ 15 طنّاً من البضائع المنقولة.

إنّ واحدةً من النقاط الأساسية التي يمكن ذكرها فيما يميّز هذا الخط عن غيره، هو أنه الأوّل من نوعه من حيث اتجاهاته، فجميع الخطوط البريّة الأخرى هي خطوطٌ لها اتجاهات شرق-غرب، أمّا هذا الخط فله اتجاه شمال-جنوب، ومن ثم يذهب باتجاه الشرق والغرب.

الأهمّ من هذا، والذي من المهمّ جداً معرفته في هذا الإطار، هو أنّ «ممرّ شمال-جنوب» يأتي ضمن سياق عمليّة التحوّل النوعي الجارية على المستوى العالَم، أيْ عملية إرساء طرق تجارة عالمية جديدة (بريّة) بديلة عن طرق التجارة العالمية السائدة حالياً (بحريّة)، وأنّ هذا الممرّ هو أحد المحاور الأساسية الجديدة ضمن هذه العملية الواسعة.

ونصف العملية هنا بكونها تحوّلاً نوعيّاً، لأنّها تمثّل في الواقع الفعليّ انقلاباً جذريّاً على الإجراءات التي اتخذتها الدّول الاستعماريّة لبسط شكلٍ محدَّدٍ من التجارة العالميّة على العالَم، عبر فرضها بالطرق البحريّة التي كانت وما زالت حتى الآن ملعبَ الغرب وساحةَ فِعله منذ مئات السنين.

وفي الختام، من الضّروري الإشارة هنا إلى أنّ الأهمية الإضافيّة لهذا الخط، هي في أنّ الدولتَين الأساسيتَين القائمتَين على عملية تصميمه ورسمه هما روسيا وإيران، وهما دولتان تكتسبان موقعاً مهمّاً في الوزن الاقتصادي، وتالياً السياسي والعسكري على مستوى العالَم والإقليم، ولهذا أساسه في إمكانيّات هاتَين الدولتَين وما تمتلكانه من مُقَدّرات وثروات لها وزنٌ فعليّ ومؤثِّر لا يمكن إغفاله في ظلّ التوازنات الدوليّة الجديدة، التوازنات التي بدأت بالتعبير عن ذاتها في الإقليم باتجاه إرساء توازنات إقليميّة جديدة تُناسِب العصر الجديد.