الضعفاء سيعاقبون هنغاريا... لأنها ترفض دفع الفاتورة

الضعفاء سيعاقبون هنغاريا... لأنها ترفض دفع الفاتورة

في هذه الأيام، تتوعَّد المعارضة الليبرالية الهنغارية رئيسَ الوزراء، فيكتور أوربان، بفرض عقوبات أمريكية على البلاد، بذريعة المزاعم المكرورة ذاتها حول «موالاته لروسيا»، الأمر الذي يضع واحدةً من دول الناتو تحت سلاح العقوبات الأمريكية، ويهدِّد بتكرار «تجربة تركيا» في الخروج من الفَلَك الغربي مع دولة جديدة من دول الناتو.

نقلت وكالات أنباء غربية عن «مصادر دبلوماسية عدّة»، أنّ الولايات المتحدة تعتزم «معاقبة الحكومة الهنغارية» وفرض قيود عليها، لأنّ «سياسة بودابست تجاه موسكو وكييف لا تناسب واشنطن بشكلٍ قاطع». ولم يتمّ تحديد نوع العقوبات التي يُعتَقَد أنّها ستكون فرديّةً (تطال المقرَّبين من رئيس الوزراء فيكتور أوربان) وقِطّاعية (بشكلٍ خاصّ معاقبةُ قطاع هندسة الطاقة الهنغاري بسبب تعاونه مع شركة روس آتوم الروسية). يجري هذا بينما تُواصِل هنغاريا اتخاذ خطواتٍ جديدة بعيداً عن الإملاءات الأمريكية.
في هذا الصَّدد، زار وزير الخارجية الهنغاري، بيتر سيارتو، موسكو الأسبوع الماضي بهدف بحث التعاون المشترك بين روسيا وهنغاريا في مجال الطاقة. وبعد الزيارة مباشرة، كشف سيارتو أنّ بلاده مدّدت اتفاقاً مع روسيا بشأن إمدادات إضافية من الغاز، واتفقت على مدفوعات بشروط تفضيليّة للقسم الأعظم من إمدادات الغاز، في الوقت الذي تضغط فيه واشنطن على حلفائها الأوروبيين بشتى الوسائل لوقف استيراد الغاز الروسي.
ولا تتعاون بودابست مع روسيا فحسب، بل تَخرج بشكلٍ ملحوظ عن الخطّ المرسوم أمريكياً للتعامل مع الحرب في أوكرانيا. على سبيل المثال، شدّدت هنغاريا الرقابة على عبور شحنات الحبوب، وعرقل سيارتو ذاتُه دعوةَ وزير الخارجية الأوكراني دميتري كوليبا، للاجتماع بوزراء خارجية دول «الناتو» في بروكسل، معتبراً أنّ هذه الدعوة تنتهك مبدأ «وحدة الناتو»، ويعتزم الهنغاريون علناً منع جميع المبادرات التي يمكن أن تقود الحلف إلى صِدام عسكري مباشر مع روسيا.
وصل الأمر بهنغاريا مؤخَّراً لا إلى الوقوف عند حدّ انتقاد التدخلات الأمريكية في أوروبا، بل وبالمضيّ خطواتٍ على طريق كسر الهيمنة الأمريكية في القارّة العجوز، حيث دعا أوربان إلى إنشاء نظيرٍ لحلف الناتو على المستوى الأوروبي لكن دون مشاركة الولايات المتحدة فيه.
الجدير بالذكر أنّ أوربان نفسه لم يكن بأيِّ حالٍ من الأحوال شخصيَّةً معادية للولايات المتَّحدة، بل على العكس من ذلك، كان (كما أغلبية الدُّمى قادة الدول التي خرجت من الكتلة الاشتراكية سابقاً) يتودَّدُ إلى واشنطن أكثر من قادة دول أوروبا الغربية نفسها، ومن خلال جهوده الشخصية إلى حد كبير انضمّت بودابست إلى حلف الناتو. لكن منذ ذلك الحين، ارتفعت الشهية الأمريكية للإمساك بزمام كلّ شيء في هنغاريا، وأصبحت العديد من جوانب الحياة العامّة ممسوكة أو مهدَّدة بالإمساك بها من جانب واشنطن. ومع اشتداد الضعف الأمريكي، لا يوجد في الجعبة الأمريكية سوى توريط الحلفاء والتابعين بدفع فاتورة المواجهة ضدّ روسيا، الأمرُ الذي ترفضُه دول عدة حول العالم وتلتقط اللحظة والظرف الجديدَين لاتخاذ سياسات تتوافقُ مع مصالحها الوطنية.